responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر    جلد : 2  صفحه : 473
العريق، وليست الكتابة كذلك عند أصحاب هذا الرأي، ولا سيما الكتابة التي صاغ في قالب الرسائل بين الأكفاء ولا يطلع عليها القراء إلا إذا طالعهم بها أديب من محترفي الصناعة، ليتولى هو شرحها وتقديمها إلى الناس، كما جرى في كتاب صهاريج اللؤلؤ ديوان البكري الجامع لنخبة نثره وشعره[1].
وفي الحق إن نثر البكري شعرًا لا ينقصه إلا الوزن، فكثير من موضوعاته التي يدبجها نثرًا، لا تصلح إلا للشعر، وقد استطاع -على الرغم من أنه قيد نفسه بالفخامة والجزالة، وتصيد الغريب، وإيراد الأمثال العربية القديمة، وبالعبارة المسجوعة- أن يقبس من سموات الخيال الشعري قبسات مشعة، وأن يمثل عصره أتم تمثيل في فكرته لا في عبارتهن وفي خياله لا في صياغته.
دعنا نستعرض نثر البكري لنتبين هذه الحقيقة فأول موضوعات صهاريج اللؤلؤ عن رحلته إلى القسطنطينية، وفيها وصف للسفينة والبحر والليل والقطار والبسفور، ونساء الأتراك ومتنزهات المدينة وهي كلها من الموضوعات التي يصح أن ينظم فيها شاعر حساس ذو خيال ووجدان، ولم يتعرض البكري لوصفها نثرًا إلا لأنه يملك هذه الحاسة الفنية، ويملك الخيال الذي يصور به مشاعره. ولعله لم يجد القدرة في الشعر حتى يؤثره بتسجيل خواطره، ولم يكن أمامه إلا البارودي وكان لا يزال في منفاه، ولم يضرب في كل ميادينه ولم يجمع شعره إلا بعد عودته من المنفى، ولعله برم بالشعر لتقيده بالوزن والقافية، فأثر العبارة المنثورة لتحمل خياله المجنح، وتتسع لوصفه البديع.
ولا يسعنا أن نأتي على كل موصوفاته، ولنتخير من وصفه للقسطنطينية قوله في وصف البحر "والبحر أونة كالزجاج الندى أو السيف الصدى، يلوح كالصفيحة المدحوة[2] أو المرآة المجلوة، وحينا يضرب زخاره، ويموج مواره، فكأنما سيرت الجبال، وكأنما ترى قبابًا فوق أفيال، وكأن قبورًا في الين تحفر، وألوبة عليه تنشر، وكأن العد[3] يمخض عن زبد، وكأن الدوى من جرجرة الأذى زئير الأسد وهزيم الرعد.

[1] المصدر السابق ص7.
[2] الدحوة: المبسوطة.
[3] العد بالكسر: البحر، ويمخض: يحرك.
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر    جلد : 2  صفحه : 473
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست