نام کتاب : فن المقال الصحفي في أدب طه حسين نویسنده : عبد العزيز شرف جلد : 1 صفحه : 46
المصرية في هذه الفترة، وهما: فكرة الحضارة الأوروبية من جهةٍ, وفكرة الجامعة الإسلامية من جهة ثانية، وذلك بعد أن تركت كلٌّ من هاتين الفكرتين آثارًا عميقة في الرأي العام المصري، والحياة العامة المصرية، على النحو المبين فيما تَقَدَّمَ, فأصبح "التعقيل" اتجاهًا ثقافيًّا وفكريًّا لخطة الأستاذ الإمام، نهض به لطفي السيد, ووسم به مدرسته, فامتازت الحركة الأدبية والفكرية في مصر -في النصف الأول من القرن العشرين- بميلٍ حقيقيٍّ للتعقيل، وإيثارٍ لجانب التفكير، وبعدٍ عن مسايرة العواطف.
ومن جهةٍ أخرى فقد أبرز لطفي السيد نموذجًا جديدًا يُضَافُ إلى النموذج العربي الإسلامي، وهو نموذج الفكر اليوناني؛ فترجم لأرسطو، وأردف ذلك بنقل فكرة الديمقراطية إلى الحياة المصرية, وغنيٌّ عن البيان أن نقول: إن النهضة الأوروبية الحديثة قامت على هذا النموذج اليوناني، وفي أحضان هذه النهضة ولدت المقالة الأوربية على يد "مونتاني" في فرنسا, و"بيكون" في انجلترا, وهما فيلسوفان عقليَّان.
ولعل في ذلك ما يعلل اتجاه طه حسين إلى تأثر العقل المصري بالبحر المتوسط منذ عصوره الأولى، وأن العقل المصري قد اتصل بالعقل اليوناني اتصال تعاون وتوافق1, وهو الاتجاه الذي يجعل طه حسين لا يقول بوجود "عقل أوربي يمتاز من هذا العقل الشرقي الذي يعيش في مصر وما جاورها من بلاد الشرق القريب، وإنما هو عقل واحد، تختلف عليه الظروف المتباينة المتضادة، فتؤثِّر فيه آثارًا متباينة متضادة، ولكن جوهره ليس فيه تفاوت ولا اختلاف"2.
ومهما يكن من شأن الاختلاف في جدوى الخطتين: السياسة أو التعليم في القضية المصرية، فليس هناك خلاف في رجحان كفة العلم على كفة السياسة، سيما أن الجيل الذي أثمرته خُطَّة التعليم، كان هو نفسه الجيل الذي نهض بالسياسة من بعد، ومضى بمصر في جهادها للظفر بالاستقلال والدستور والحرية.
ولذلك لم يرض كرومر عن فكرة إنشاء الجامعة المصرية، وأحصى لطفي السيد هذا الموقف من سيئات كرومر التي ندَّدَ بها[3]، ذلك أن الاهتمام بالتعليم عامَّة، كان نعمة من نعم الوعي القومي الجديد, وثمرة من ثمار الحركة الوطنية في شتَّى مظاهرها واتجاهاتها، وذلك ما يعبِّر عنه قاسم أمين
1، 2 الدكتور طه حسين: مستقبل الثقافة جـ1 ص11، 19، 28. [3] الدكتور حسين فوزي النجار: أحمد لطفي السيد ص265.
نام کتاب : فن المقال الصحفي في أدب طه حسين نویسنده : عبد العزيز شرف جلد : 1 صفحه : 46