ولو كانت الدنيا لهم ضاقت عن سعة أحلامهم، ولو احتفلت ما تزيّنت إلا بهم. ثم إنّ ناسا منهم تخلّقوا بأخلاق العوامّ، فصار لهم رفق باللؤم وخرق «1» في الحرص، لو أمكنهم قاسموا الطير أرزاقها، إن خافوا مكروها تعجّلوا له الفقر، وإن عجّلت لهم نعمة أخّروا عليها الشكر، أولئك أنضاء «2» فكر الفقر وعجزة حملة الشكر.
قال بعض الحجازيّين: [متقارب]
فلو كنت تطلب شأو الكرام ... فعلت كفعل أبي البختري «3»
تتّبع إخوانه في البلاد ... فأغنى المقلّ عن المكبثر
القناعة والاستعفاف
حدّثني شيخ لنا عن وكيع عن ابن أبي ذئب عن محمد بن قيس عن عبد الرحمن ابن يزيد عن ثوبان «4» قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من يتقبّل لي بواحدة وأتقبّل له بالجنة فقال ثوبان: أنا يا رسول الله، قال: لا تسأل الناس شيئا فكان ثوبان إذا سقط سوطه من يده نزل فأخذه ولم يسأل أحدا أن يناوله إياه.
وحدّثني أيضا عن عبد الرحمن المحاربيّ عن الأعمش عن مجاهد قال:
قال عمر رضي الله عنه: ليس من عبد إلا وبينه وبين رزقه حجاب، فإن اقتصد أتاه رزقه وإن اقتحم هتك الحجاب ولم يزد في رزقه.