فلو أنّ القبور سمعن صوتي ... إذا لأجبنني من وجدهنّه
ولكنّ القبور صمتن عنّي ... فأبت بحسرة من عندهنّه
ثم يبكي ونبكي.
قال معاوية بن أبي سفيان لعبيد بن شرية الجرهميّ: أخبرني بأعجب شيء رأيته في الجاهليّة؛ فقال: إني نزلت بحيّ من قضاعة فخرجوا بجنازة رجل من عذرة يقال له حريث وخرجت معهم، حتى إذا واروه في حفرته انتبذت جانبا عن القوم وعيناي تذرفان ثم تمثّلت بأبيات شعر كنت أرويها قبل ذلك بزمان طويل: [بسيط]
تجري أمور ولا تدري أوائلها ... خير لنفسك أم ما فيه تأخير
فاستقدر الله خيرا وارضينّ به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير
وبينما المرء في الأحياء مغتبطا ... إذ صار في الرّمس «1» تعفوه الأعاصير
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحيّ مسرور
قال: وإلى جانبي رجل يسمع ما أقول، فقال لي: يا عبد الله، هل لك علم بقائل هذه الأبيات؟ قلت: لا والله؛ إلا أنّي أرويها منذ زمان؛ فقال:
والذي تحلف به إنّ قائلها لصاحبنا الذي دفنّاه آنفا، وهذا الذي ترى ذو قرابته أسرّ الناس بموته، وإنك لغريب وتبكي عليه كما وصفت؛ فعجبت لما ذكره في شعره وما صار إليه من أمره وقوله، كأنه ينظر إلى مكاني من جنازته، فقلت: «إنّ البلاء موكّل بالقول» ؛ فذهبت مثلا.
قال أعرابيّ: خير من الحياة ما أذا فقدته أبغضت لفقده الحياة، وشرّ من الموت ما إذا نزل بك أحببت لنزوله الموت.