قال جبريل: أو لم تعلم أيها الصدّيق أنّ الله يطهّر البيوت بطهر النبيّين، وأن البقعة التي يحلّون بها هي أطهر الأرضين، وأنه قد طهّر بك السجن وما حوله يا ابن الطاهرين؛ قال يوسف: كيف تشبّهني بالصالحين، وتسمّيني بأسماء الصدّيقين، وتعدّني مع آبائي المخلصين، وأنا أسير بين هؤلاء المجرمين! قال جبريل: لم يكلم قلبك الجزع، ولم يغيّر خلقك البلاء، ولم يتعاظمك السّجن، ولم تطأ فراش سيّدك، ولم ينسك بلاء الدنيا بلاء الآخرة، ولم تنسك نفسك أباك ولا أبوك ربّك؛ وهذا الزمان الذي يفكّ الله به عنوّك «1» .
ويعتق به رقّك، ويبيّن للناس فيه حكمتك، ويصدّق رؤياك وينصفك ممن ظلمك، ويجمع إليك أحبّتك، ويهب لك ملك مصر: يملّكك ملوكها، ويعبّد لك جبابرتها، ويذلّ لك أعزّتها، ويصغّر لك عظماءها، ويخدمك سوقتها، ويخوّلك خولها، ويرحم بك مساكينها، ويلقي لك المودّة والهيبة في قلوبهم، ويجعل لك اليد العليا عليهم والأثر الصالح فيهم، ويرى فرعون حلما يفزع منه ويأخذه له كرب شديد حتى يسهره ويذهب نومه، ويعمّي عليه تفسيره وعلى السحرة والكهنة ويعلّمك تأويله.
وفي بعض الكتب: أوحى الله تعالى إلى بعض الأنبياء: إذا أردت أن تسكن معي غدا في حظيرة القدس فكن في الدنيا وحيدا فريدا مهموما حزينا، كالطائر الوحدانيّ يظلّ بأرض الفلاة ويرد ماء العيون ويأكل من أطراف الشجر، فإذا جنّ عليه الليل أوى وحده استيحاشا من الطير واستئناسا بربّه جلّ وعزّ.
لمّا قتل عبد الله بن الزّبير وجد الحجّاج فيما ترك صندوقا عليه فقال