العريش بعد أن اخترق رمال سيناء، وكان ذلك أواخر سنة 18هـ، ولم يلقَ كبير عناء في فتحها[1].
وانصرف عمرو متجهًا نحو الغرب، دون أن يشترك مع جند الروم في قتال حتى وصل الفرما أو بيلوز، وهي مدينة قديمة العهد حصينة، لها كنائس وأديرة وميناء على البحر، يصل إليها جدول من النيل، وكانت تمثل مفتاح مصر في ذلك الوقت، وكان جند الروم يعتصمون بحصونهم، فحاصرهم عمرو، واستطاع المسلمون أن يسبقوهم ذات مرة إلى هذه الحصون فافتضوها، وتم لهم احتلال المدينة أوائل سنة 19هـ[2].
وتقدم عمرو دون أن يجد مدافعة، بعد الاستيلاء على مفتاح مصر وعلى القاعدة التي يستطيع النكوص منها إن اقتضى الأمر تراجعًا، وتلقى الأمداد عن طريقها إذا ما تقدم. ووصل إلى بلبيس، وبعد حرب دامت شهرًا تم للمسلمين فتحها، وهزم الروم وألحق بهم خسائر فادحة. وبالاستيلاء على بلبيس أصبح المسلمون على مسيرة يوم واحد من رأس الدلتا[3].
ومضى عمرو حتى أتى أم دنين[4] شمال حصن بابليون، وهي قرية على النيل عند مأخذ خليج تراجان، الذي يصل مدينة مصر بالبحر الأحمر عند السويس، وكانت حصينة يجاورها مرفأ فيه سفن كثيرة، وكانت مسلحتها طليعة الدفاع عن حصن بابليون العظيم. وأدرك عمرو دقة الموقف فإن الروم قد لاذوا إلى الحصن بكل قواتهم، وأمدوا أم دنين بمسلحة قوية، وتهيئوا بذلك لقتال فاصل. وجاءته عيونه بأنباء عرف منها أنه لن يستطيع أن يفتض هذا الحصن أو يحاصره بمن معه من الجند، فضلًا عن فتح مدينة مصر التي تقع في حماية الحصن، فعول على حصار أم دنين وحصنها، فإن استولى عليه سارت السفن تحت إمرته، وأصبح في مقدوره أن يدبر أمره.
وكان الحذر يقتضي عمرًا ألا يفرط في رجاله، وأن يستعجل الخليفة المدد ليضاعف الأمل في قلوب جنده، فبعث رسالة إلى عمرو وأذاع في الجند أن المدد موشك أن [1] حسن المحاضرة ج1، ص46، المقريزي ج1، ص228. [2] ياقوت ج3، ص884. [3] بتلر ص191. [4] حي الأزبكية الآن.