سبب هذا وخومة البلاد وعدم التلاؤم بينهم وبينها، وما يلقون فيها من الذباب والغبار والوخومة[1]، فأمر بارتياد الأرض، بحثًا عن المواقع التي تتناسب مع العرب. فالعرب لا يصلحها من البلدان إلا ما أصلح البعير والشاة[2].
وظفر الرواد بموقع الكوفة، وتم تمصيرها في المحرم سنة 17هـ وفي نفس العام بنَى المسلمون الأبنية في البصرة، التي كانوا قد نزلوها من قبل. وكتب سعد إلى عمر لما نزل الكوفة بأنه خير المسلمين بالمدائن، فمن أعجبه المقام تركه كالمسلحة، فبقي أقوام من الأفناء أكثرهم بنو عبس[3]، وإن كانوا قد انصرفوا بعد ذلك إلى الكوفة وغيرها[4].
وخططت الكوفة تخطيطًا قائمًا على أساس من توزع القبائل، فتكونت مجموعات من الناس، يسميها المؤرخون بالأسباع، فصارت كنانة وحلفاؤها من الأحابيش وجديلة -وهم بنو عمرو بن قيس عيلان- سبعًا، وصارت قضاعة -ومنها يومئذ غسان بن شبام وبجيلة وخثعم وكندة وحضرموت والأزد- سبعًا. ومذحج وحمير وهمدان وحلفاؤهم سبعًا. وتميم وسائر الرباب وهوازن سبعًا. وأسد وغطفان ومحارب والنمر وضبيعة وتغلب سبعًا. وإياد وعك وعبد القيس وأهل هجر والحمراء سبعًا[5].
وواضح أن هذه الأسباع تنقص سبعًا، ويظن ماسينيون أنه كان خاصًّا بقبيلة بكر من شيبان[6]، وما حدث بالبصرة شبيه بما حدث في الكوفة، وإن كان قد اتبع فيها نظام الأخماس. وكان لتميم الشأن الأول في تكوينها. وقد صارت خمسًا، وفيها ضبة والرباب، بينما صارت عبد القيس خمسًا، وبكر بن وائل خمسًا، والأزد خمسًا، وأهل العالية من قريش وكنانة وقيس عيلان والأنصار وطوائف من قبائل أخرى[7]. وبرغم أن هذه الأسباع وتلك الأخماس قد تكونت على أساس القبائل فإنها قد شكلت خطوة جديدة في سبيل بناء مجتمع جديد، يستشعر إحساسًا وجدانيًّا أكثر شمولًا من الإحساس بالقبلية. [1] الطبري 1/ 5/ 2481. [2] الطبري 1/ 5/ 2484. [3] الطبري 1/ 5/ 2487. [4] الطبري 1/ 5/ 2414. [5] الطبري 1/ 5/ 2495، البلاذري ص276. [6] خطط الكوفة ترجمة المصعبي ص11، والطبري 5/ 2495. [7] الطبري 1/ 5/ 2377.