وبرغم استماتة الروم فقد أذاقهم عمرو نفس الكأس، وهزمهم هزيمة منكرة عند نقيوس، وعاد منويل طائرًا إلى الإسكندرية فتحصن بها، ونصب المجانيق على أسوارها[1]. ويقف عمرو أمام هذه الأسوار التي دوخته من قبل، ليقسم أن يسوي التراب بها، وأن يجعلها كبيت الزانية يُؤتى من كل مكان، واحتال حتى استمال حراس المدينة، ثم أعمل السيف في حاميتها وقتل منويل، وكان ذلك في السنة الخامسة والعشرين للهجرة[2].
وعلى الرغم من ذلك فإن الروم لم تيئسهم هزيمتهم، فقد حاولوا بعد تسع سنوات في عهد الإمبراطور قسطانز أن يعاودوا هجماتهم البحرية، وأعدوا لذلك أسطولًا جديدًا، غير أن المسلمين كانوا قد ركبوا البحر وحذقوا حروبه، فأوقعوا بالأسطول البيزنطي، ولقيت فلوله عاصفة هوجاء أتت عليها، وهكذا استتب الأمر في مصر للمسلمين[3].
خضع للمسلمين إقليم مصر، من الإسكندرية إلى أسوان، ورأى عمرو أن تتجه بعض بعوث الجيش إلى الجنوب لتأمين الحدود؛ حيث تضرب القبائل في أرض النوبة، تلك الأرض التي تشبه أرض شبه الجزيرة؛ إذ تغلب عليها الصحراء، وتربطها بها صلات تجارية دفعت بعض التجار العرب في الجاهلية إلى التسرب إليها.
ولعل هذا الشبه وهذه الصلات، وما كان من غلبة المسلمين على مصر، ومتاخمتهم لأرض النوبة هي التي أغرتهم بهذه البعوث.
ويروي البلاذري: أن جيش المسلمين بقيادة عقبة بن نافع الفهري اضطر أن يعود بعد معركة قاسية، أصابت فيها سهام أهل النوبة أحداق المسلمين، فقفلوا بالجراحات، وذهاب الحدق من جودة الرمي، وسمي أهل النوبة برماة الحدق[4]. وظل القتال ينشب بعد ذلك حتى انتهى إلى الصلح على هدية عدة رءوس منهم يؤدونها إلى المسلمين في [1] النجوم الزاهرة ص65، 66. [2] المقريزي ج1 ص167. [3] بتلر ص424. [4] الطبري 1/ 5/ 2593، وسكت عن ذكر القائد.