نام کتاب : رسالة الصاهل والشاجح نویسنده : المعري، أبو العلاء جلد : 1 صفحه : 71
فالملح، ها هنا، على وجوه، يحتمل أن تكون: البركة، والرضاع، والملح المعروفة.
وأقسموا بالملح والرماد، لأن الملح يفتقر إليها في الأطعمة، والرماد لا يكون إلا عن نار، والنار يتوصل بها إلى إنضاج المطاعم وهداية الحيران، ويدفع بها معرة القر. قال الشاعر:
أَقسمتُ بالمِلْحِ والرَّمَادِ وبال ... عُزَّى وباللاتِ نُسْلِمُ الدَّرَقَة
وما قولك أيها المغفل في قولي: فارق الصليب جسدك؟ أتراني عنيت به صليب النصارى فتقول في نفسك: وهل أنا نصراني فأعلق صليباً علي؟ وإنما عنيت بالصليب: وسماً توسم به أنت ونظراؤك. قال " ذو الرمة ":
تَحجِيبُها وصليبُها
ويجوز أن أعني بالصليب: الودك.
وهل خطر لك أن قولي: طار شرر من قينتك، أريد به القين الحداد، فتذهب إلى أني عنيت القين الذي صنع برتك، لأن " الهلالي " قال:
حَلَّيْتُها حينَ رابَتْنِي بِمَعصِيةٍ ... من حِلْيَةِ القَيْنِ في عرنِينِها خُرُصَا
فتقول: وأي قين لا يطير منه الشرر أخول أخول؟ قال الشاعر:
يسَاقِطُ عنه رَوْقُه ضارياتِها ... سِقاط شَرارِ القَيْنِ أَخوَلَ أَخْوَلا
وإنما عنيت بقينك: حرف وظيفك، وهما القينان. قال " ذو الرمة ":
كأَنني من هَوَى خَرْقَاءَ مُطَّرِفٌ ... دَامِي الأَظَلِّ بَعيدُ السأْوِ مَهْيومُ
دَانَى له القَيْدُ في دَيْمومةٍ قُذُفٍ ... قَيْنَيه وانْحسَرتْ عنه الأَناعِيمُ
فأردت: أنه يلقى في النار، على وجه الإحراق، فيطير منه الشرر.
وكيف صرفت قولي في الدعوة: ولا شممت الفارة بقية عمرك؟ أحسبت أني عنيت فارة المسك؟ وما لك ولعتائر الهند؟ شغلها عنك. المترفون! فكأنك يقع في وهمك أني دعوت عليك ألا تكون في اللطيمة وهي العير التي تحمل المسك. ولعلك وأباك وجدك لم يكن أحد منكم في عير تحمل الطيب.
وإنماعنيت: فارة الإبل، وهي رائحة طيبة تفوح منها إذا رعت أزهار الربيع. قال " الراعي ":
لها فارَةٌ ذفراءُ كلَّ عَشِيَّةٍ ... كما فتقَ الكافورَ بالمِسْكِ فاتِقُه
وما ظنك بقولي: وأخذ عنبر من جلدك؟ أتحسب أني عنيت العنبر المنشوم؟ فلو أنك بعض ملوك فارس والتبابعة لجاز أن يسبق ذلك إلى وهمك، لأنهم يطلون بالطيب. ولذلك قال " أمية بن أبي الصلت " لسيف بن ذي يزن الحميري:
اشربْ هنيئاً عليك التاجُ مرتَفِقاً ... في رأسِ غُمدانَ طنفٌ منك مِحْلاَلا
والتَطَّ بالمِسْكِ إِذ شَالتْ نَعَامَتُهم ... وأَسْبِلِ الآن من بُرْدَيْكَ إِسْبَالا
وإنما عنيت: العنبر الذي هو الترس. وأردت: أن يتخذ من جلدك ذلك. وإنما تصنع الترسة من جلود الإبل بعد النحر.
وما رأيك في قولي لك: ودنوت من القصبة؟ أظننت أنها الواحدة من القصب، وذهب ظنك إلى أن الإبل يشبه حنينها بصوت الزمارة المتخذة من القصباء؟ كما قال " عنترة ":
بَركتْ على جَنب الرِدَاعِ كأَنما ... بَركتْ على قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ
وقال آخر، وذكر إبلاً تحن:
تَبِيتُ أُسارَى في الحِبالِ ومالها ... ذُنوبٌ، ولكنْ حُبُّ نَجْدٍ ذنوبُها.
كأَن اليَرَاعَ الجُوفَ من تحت لَحْيهِا ... إِذا أَسْعَطَتْها نَشْرَ نَجْدٍ جَنوبُها
وقال آخر:
فما حَنَّتْ قُلوصِي واستَمعتُ لِسَحْرِها ... بِرَملةِ لُدٍّ وهي معقولَةٌ تَحْبو
فما بَرِحت حتى كأَن يَرَاعةً ... بِأَرْآدِ لحيَيْها يُقَلِّبُها شرْبُ
وذلك غرض فاسد. وكيف أدعو لك بذلك أو عليك؟ مولا عنيت القصبة التي يشايع بها الرعي بين الإبل.
وإنما عنيت بالقصبة: جمع قاصب: وهو مثل القصاب. مأخوذ من: قصب اللحم، إذا قطعه. ومن ذلك قيل: جمل قاصب، إذا قطع الشرب.
وأي شيء وقع في خلدك لما قلت لك: وضحك صبي في وجهك؟ أتعتقد أنه بعض هؤلاء الصبيان؟ وهيهات! ما عليك في ذلك من المضرة، وقد علمت أنه لو استغرب شيخ أو كهر أو غلام في وجهك لم تضر بذلك، ولو انتحب عندك المنتحبون وندبت النوادب، لما هادك ما فعل من ذلك؟ وإنما عنيت بالصبي: حد السيف. وقال قوم: الصبي. عير السيف وعلى هذين القولين فسر قول " الهذلي ":
نام کتاب : رسالة الصاهل والشاجح نویسنده : المعري، أبو العلاء جلد : 1 صفحه : 71