نام کتاب : رسالة الصاهل والشاجح نویسنده : المعري، أبو العلاء جلد : 1 صفحه : 70
وهذا المعنى قصد الشاعر بقوله، وذكر إبلاً:
وتَرى لها حَدَّ الشتاءِ على الثرَى ... رَخَماً وما تَحْيَا لهن فصَالُ
وهل ضحكت من قولي: غضب عليك سنور أهلك، وقلت: ما هذه الدعوة الدالة على قلة اللب؟ وأي ملابسة بيني وبين السنور؟ وإنما أنا طول دهري في السفر، وربما أسمع صياح السنانير إذا جبت القرية أو المدينة فلا أحفل بهن.
ولا تعلم أن السنور: السيد - وقد مر ذكر ذلك - وإذا غضب عليك سيد أهلك، فكم في ذلك من الهوان والشقوة! ويأمر بك أن يوجع ضربك وينقص علفك، ولا يتعهد سقيك. وربما تقدم بنحرك والصدقة بك على المساكين، فلا يبقى في المصر الواسع أخو عاهة إلا وقد غلت قدره بنحض منك.
وهل عجبت من قولي: ولا ساعفك قط بوصال، وقلت: أي وصال بيني وبين القط؟ إنما أرغب في وصال الناقة البائك.
ولا تدري أن القط: الحظ والنصيب. وقد مر ذكر ذلك.
وهل سرك قولي: دخل بر بين جوانحك، وقلت: وأي خير فيمن لا يسكن جوانحه بر؟! وإنما عنيت: الفأرة. من قولهم: ما يعرف هراً من بر. وأقسم ما تدخل فارة بين جوانحك إلا وقد نزل بك خطب جليل.
وهل ظننت قولي لك: قربت من الشبيبة، دعاء لك بأن تعود بكراً شاباً تمرح بين بكرات الإبل وأبكارهن؟ ومن ل " نوح " - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأنبياء، بأن ترجع إليه الشبيبة فيصيب من لذات العيش؟ وإنما عنيت بالشبيبة: النار، فعيلة بمعنى مفعولة، من: شببتها فهي مشبوبة. والمعنى: أنك تنحر فيشتوي لحمك على النار.
وهل عرفت معنى قولي: أبعدك خالقك من الشيب؟ وهل ظننت أن الشيب جمع أشيب وشيباء، فقلت في نفسك: وما يضرني من بعد الشيب، والشباب أقوى على إيراد الحوم وأصبر على تتبع الكلأ، وإن كان الشيب من الرعاة أعرف بمارس الشدائد وأثبت على غبر السنوات، والمثل السائر: رأى الشيخ خير من مشهد الغلام؟ وإنما عنيت بالشيب حكاية شرب الإبل. قال الراجز:
يا لَك من خَزَايةٍ وتَعذِيبْ
3إ - ِذا تداعَيْن بأَسماءِ الشِّيبْ وقال آخر:
مالي أَرى يَومَكُما عَصِيبَا
أَنِمتُما أَم خِلْتُني مغلوباً
قد ركبَتْ أَحفافُها العُجوبا
والشِّيبُ منهن يُنادي الشيبا
وهل جال في خاطرك أن قولي لك: ولا زلت أخا صاد وبعيداً من دال، معنى به الصاد والدال من حروف المعجم؟ فخاب طائرك يا غبي! إنما أردت بالصاد أحد أمرين: إما الصاد وهو الداء الذي يصيبك في رأسك من قول " الراعي ":
يُدَاوَى بها الصادُ الذي في النواظِرِ
وإما صاد من الصدى، وهو العطش.
وأردت بقولي: دال، أحد وجهين: إما فاعلاً من: دلا يدلو دلوه، إذا أخرجها. وهذا أجود الوجهين.
وإما فاعلاً من: دلا الإبل يدلوها. إذا رفق بها في السير. قال الراجز:
لا تَقْلُوَاها وادلُواها دَلْوَا
إِنَّ مع اليومِ أَخاه غَدْوَا
ولعلك يجري في نفسك عجب من قولي لك: باينت القس.
فتقول: وما يغولني من بين القس وفقد الراهب؟ ولا تشعر أن القس هو حسن القيام عليك وتتبع المرعى بك.
يقال: قسست الشيء، إذا تتبعته. قال الراجز:
يُمسِينَ عن قَسِّ الأَذَى غوافِلا
لا جَعْبَريَّا تٍ ولا طَهامِلا
وهل أنكرت قولي في الدعاء: ولا رأيت الكافر، فقلت: وأي رغبة لي في أهل الكفر؟ وإنما عنيت بالكافر: الزارع. وعلى ذلك فسروا قول الشاعر:
وخَبَّرها الوُرَّادُ أَنْ ليس بينَها ... وبَيْنَ قُرَى قَسْر ونجرانَ كافِرُ
فأَلْقَتْ عَصاها واستقَرَّ بها النَوى ... كما قَرَّ عَيْناً بالإِيابِ المسافِرُ
وإنما قيل للزارع: الكافر، لأنه يكفر الحب في الأرض، أي يستره.
وهل ذهب وهمك إلى أني غنيت بالشماس شمامسة النصارى، وقوى ذلك في نفسك أني ذكرته قريباً من القس؟ وإنما عنيت: الشماس من الخيل، وهو فعال من: شمس يشمس.
فرجوت أن يصيبك بحافر منه.
وكيف تأويلك لقولي: ولا بقي فيما قبلك ملح؟ أتحسبني عنيت ملح " الطعام "؟ وأي حاجة بك إلى الملح؟ وإنما قصدت بالملح: البركة. وإن كانت العرب قد ذكرت الملح في القسم، فإنما ذلك لأنها عندهم من البركة. ولذلك قال القائل:
لا يُبْعِدِ اللهُ رَبُّ العبا ... دِ والمِلْحِ ما ولَدتْ خالِدَه
نام کتاب : رسالة الصاهل والشاجح نویسنده : المعري، أبو العلاء جلد : 1 صفحه : 70