نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 355
بيت البتحري حين يقارن ببيت ذي الرمة، فكلاهما دعاه سياقه وحسه بالمعنى إلى شيء غير الذي فعله صاحبه.
ومما جاء فيه حذف المفعول واقعا، وموقعا جليلا قول البحتري، يمدح أبا صقر الشيباني: "من الطويل":
وكم زدت عني من تحامل حادث ... وسورة أيام حززن إلى العظم
يذكر الشاعر فضل أبي صقر عليه، ودفعه عنه بلايا الأيام وأحداثها، فقال: حززن إلى العظم، والأصل حززن اللحم إلى العظم، ولكنه حذف المفعول؛ لأنه أراد أن يوقع في النفس من أول الأمر أن سورة الأيام التي يذودها عنه صاحبه سورة عاتية، وكأنها سيوف زمان بالغة الضرب والإيجاع، تمزق الجسد وتضرب في العظام، وكلما بالغ الشاعر في وصف هذه الشدائد التي يدفعها عنه صاحبه كان ذلك أدخل في مدحه، وأبين لشدة ولائه، وأدل على صدق إخلاصه وعرفانه، ولو قال: حززن اللحم إلى العظم لوقع في الوهم أول وهلة أن هذا الحز قد يكون حزا ضعيفا لا يتجاوز ظاهر اللحم، إلى بواطنه أو هو إذا أعمل في هذا الباطن، فربما لا يصل فيه إلى آخره، وقلت في الوهم لسامعه أن يتوهم أن هذا الحز كان حزا باردًا، أو ضعيفا وأنه وقع في ظاهر الجلد، أو غار في بواطنه غورا لا يصل إلى نهايته، ولذلك حذف هذا اللفظ، وانتقل سريعا إلى الغاية التي تصف لنا تمزق جلده، وأنه عرى عظامه.
ومن أمارات حذق الشاعر أن يفتح طريقا إلى معناه في أنف كلامه، فلا يدعك تتوهم خلاف المعنى، وإنما يمهد لك طريقات إلى مراده يقول عبد القاهر مشيرا إلى هذا الأصل الجيل في تعليقه على هذا البيت:
"الأصل لا محالة حززن اللحم إلى العظم إلا أن مجيئه به محذوفا، وإسقاطه له من النطق، وتركه في الضمير مزية عجيبة، وفائدة جليلة، وذاك أن من حذق الشاعر أن يوقع المعنى في نفس السامع إيقاعا يمنعه من أن يتوهم
نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 355