نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 353
لم يقل: فلو شئت بكيت تفكرا؛ لأنه لو قال ذلك لأفاد التركيب أنه حينما يشاء بكاء التفكر يبكي التفكر، كما في قوله: لو شئت كنت ككرز أي لو شئت أن تكون ككرز كنت ككرز، وليس هذا مراد الشاعر، وإنما مراده أنني لو شئت البكاء بدموعي لا أستطيعه، فليس في اليعون ماء، وليس في الجسم ماء الحياة الذي تفور به العبرة، وإنما ذهب الشوق بكل شيء من صفات الحياة والأجساد، وبقي التفكر وحده، بقيت الخواطر وأشباح الذكريات، وهي وحدها التي يعمر بها الكيان، فلو شئت أن أبكي لا أجد إلا التفكر، وكأنه بقوله: فلو شئت أن أبكي بكيت تفكرًا يؤكد قوله: لم يبق مني الشوق غير تفكري، واقرأ في هذا عبارة عبد القاهر.
وواضح أن الطريقة في قول أبي الحسن غير الطريقة في قول الخريمي؛ لأن المذكور في قول الخريمي يدل على المفعول لو حذف؛ لأن كليهما بكاء دم، والمذكور في بيت أبي الحسن: "بكيت تفكرًا" لا يدل على المفعول لو حذف "أن أبكي"، فهو لا يصح أن يكون تفسيرًا له.
وقد يحذف المفعول؛ لأن الشاعر أراد أن يهيئ الكلام إلى إيقاع فعل آخر على صريح لفظ المفعول، بدلا من إيقاعه على ضميره لو ذكر المفعول مع الفعل الأول، وهذا فن من الكلام عجيب تجد فيه الشعراء يهتدون بقطرتهم إلى ما بين الكلم من فروق في التمكن، واللصوق بالغرض، فيفرقون بينها في التعلق بما يومئ إلى حسهم بالمعنى وعناصره.
انظر إلى قول البحتري في قصيدته: "من الخفيف"
إن سير الخليط حين استقلا ... كان عونا للدمع لما استهلا
قال فيها:
قد طلبنا فلم نجد لك في السؤ ... دد والمجد والمكارم مثلا
فقد حذف المفعول في قوله: طلبنا ولم يقل: قد طلبنا لك مثلا؛ لأنه
نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 353