نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 352
وقد تجد الشاعر في هذا المسلك مضطرًّا إلى ذكر المفعول؛ لأنه لا يستقيم مع حذفه ذلك إذا كان المفعول من الأمور المستغربة التي تحتاج إلى اطمئنان القلوب لها، وائتلاف النفوس بها، وحينئذ يكون الذكر وسيلة هذا الاطمئنان، وأداة هذا التآلف، انظر إلى قول إسحاق بن حسان الخريمي، وكان شاعرًا جيد العبارة كثير الماء، قال في قصيدته:
قضى وطرا منك الحبيب المودع ... وحل الذي لا يستطاع فيدفع
ولو شئت أن أبكي دما لبكيته ... عليه ولكن ساحة الصبر أوسع
وكان يمكن أن يقول: ولو شئت لبكيت عليه دما، ويأتي الكلام على أسلوب الحذف، ولكن الشاعر ترك هذا الطريق، وكان لزاما عليه أن يفعل؛ لأن بكاء الدم أو مشيئة بكاء الدم من الأمور المستغربة التي تحتاج النفس إلى شيء من التلطف حتى تألفها، وكان هذا التطلف هو ذكر هذا البكاء، والتصريح به مع المشيئة، ثم ذكره مع جواب لو فكان هذا التكرار كأنه إيناس تذهب به وحشة غرابة المعنى، وهكذا الحال في كل مفعول غريب.
وقد تجد الشاعر يذكر مفعول المشيئة، وليس مستغربا وإنما؛ لأن الواقع بعده لا يوضحه أي لا يدل عليه؛ لأنه ليس من نوعه والحذف، والحالة هذه تعمية وألغاز، والإبهام والخفاء الذي يعده العلماء مزية في لغة الشعر، والأدب ليس هو الألغاز والتعمية، وإنما هو أن تستشرف المعنى الذي يلوح لك من بعيد وحوله غيوم بيضاء أو تلفه أقنعة رقاق تخفي عنك منه جانبا، وتبدي لك آخر، فتظل مشغوفا به مولعا بالقرب منه مندفعا إلى معرفته، وفي ذلك متعة البيان والأدب.
ومما جاء على هذه الطريقة التي ذكر الشاعر فيها مفعول المشيئة، وليس مستغربا، ولكن الواقع بعده لا يوضحه، قول أبي الحسن علي بن أحمد "من الطويل":
فلم يبق مني الشوق غير تفكري ... فلو شئت أن أبكي بكيت تفكرا
نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 352