قال [الراكب] : فما زلت أقول صدراً ويقول عجزاً حتى ظننت أنه قد قال القصيدة وسرقها جرير منه، ثم قال: ويحك؟ دعنا من هذا، أو ذكر فيها الحجاج؟ قلت: نعم قال: إياه أراد.
باب المرافدة
857 أخبرنا أبو عبيد الله بن أحمد النحوي قال أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبي عن عوانة بن الحكم قال بينا جرير واقفاً بالمربد وقد ركبه الناس، وعمر من لجأ مواقفه، فأنشده جرير قوله [بسيط] :
يا تيم تيم عدي لا أبالكم ... لا يلقينكم في سوءة عمر
أحين صرت سناماً يا بني لجأ ... وخاطرت بي عن أحسابها مضر
فقال عمر جواب هذا [بسيط] :
لقد كذبت وشر القول أكذبه ... ما خاطرت بك عن أحسابها مضر
[ألبست نزوة خوار على أمة ... لبست الخلتان: البخل والخور)
وكان الفرزدق قد رفده بهذين البيتين في هذه القصيدة، فقال جرير لما سمعها: "قبحاً يا ابن قنب وفي رواية أخرى: يا ابن قين -كذبت والله ولو مت، هذا شعر حنظلي، هذا شعر العزيز _يعني الفرزدق_ رفدك به" قال: فتبسم عمر فما رد جواباً، و [خرج ابن غنيم أبي الرقراق] حتى أترى الفرزدق بالخبر، فضحك حتى ضرب برجليه، ثم قال في [ساعته] [طويل] :
وما أنت أن قرما تميم تساميا ... أخا التيم إلا كالوشيظة في العظم
فلو كنت مولى الظلم أو في ثيابه ... ظلمت ولكن لابد لك بالظلم
فلما بلغ ذلك جريراً قال: ما أنصفني الفرزدق في شعره بلفظ قبل هذا
858 أخبرني علي بن هرون المنجم قال أخبرني أبو أحمد يحيى بن علي عن أبي [الحسن] علي بن يحيى عن محمد بن عمر الجرجاني قال: حدثنا بعض أهل العلم قال: مر ذو الرمة بجرير، فقال له: يا غيلان، أنشدني ما قلت في المرئي فأنشده [وافر] :
نبت عيناك عن صلل بحزوى ... عفته الريح وامتنح القطارا
فقال له: ألا أعينك فيها وأرفدك؟ قال: بلى، بأبي أنت وأمي، فقال جرير [وافر] :
يعد الناسبون إلى تميم ... بيوت المجد أربعة باراً
يعدون الرباب وآل سعد ... وعمراً ثم حنظلة الخيارا
ويهلك بينها المرئي لغواً ... كما ألفيت في الدية الحوارا
فمر ذو الرمة بالفرزدق، فقال له أنشدني ما قلت بالمرئي، فأنشده، فلما انتهى إلى هذه الأبيات قال: حسن والله لا بارك فكاك، هذا أبداً، هذا شعر ابن المراغة، هذا شعر جرير.
859 أخبرني أبو العباس أحمد بن هرون النحوي المؤدب قال: أخبرنا محمد بن يزيد النحوي قال أخبرنا المازني قال سمعت أبا عبيدة يقول: "كان سبب الهجاء بين ذي الرمة وهشام المرئي أن ذا الرمة نزل بقرية بني امرئ القيس يقال لها "مرآة" فلم يقروه، ولم يعلفوا له، فارتحل وقال [طويل] :
نزلنا وقد طال النهار وأوقدت ... علينا حصى المعزاء شمس تنالها
أنخنا فظللنا بأبراد يمنة ... رقاق، وأسياف قديم صقالها
فلما رآنا أهل "مرأة" أغلقوا ... مصارع لم ترفع لخير ظلالها
وقد سميت باسم امرئ القيس قرية ... كرام صواديها لئام رجالها
يظل الكرام المرملون بخومها ... سواء عليهم حملها وحيالها
ولو وضعت أكوارها عند بيهس ... على ذات غسل لم تشمس رحالها
فقال جرير: غلبك العبد يا هشام، وكان جرير يشتم ذا الرمة، وتيم، وعدي أخوان، فقال هشام: ما أصنع يا أبا حزرة وأنا أرجز وهو يقصد؟ فقال: قل قولك [فقال هشام المرئي] [طويل] :
غضبت لرهط من عدي تشمسوا ... وفي أي يوم لم تشمس رحالها
وفيم عدي عند تيم من العلا ... وأيامنا اللاتي يعد فعالها
وضبة عمي يا ابن جل فلا ترم ... مساعي قوم ليس منك سجالها
يماشي عدياً لؤمها ما تجنه ... من الناس ما ماشت عدياً ظلالها
فقل لعدي تستعين بنسائها ... علي فقد أعيا عدياً رجالها
أذ الرم، قد قلدت قومك رمة ... بطيئاً بأيدي المطلقين انحلالها
[فلما سمعه] ذو الرمة قال: هذا كلام ابن الأتان، قال ابن سلام: وحدثني أبو البيداء قال: لما سمع ذو الرمة هذه الأبيات: قال: هذا والله شعر حنظلي وغلب هشام عليه.