وإني لدى الحرب العواني موكل ... بتقديم نفس ما أريد بقاءها
3- وقال آخر: "بل قول عمرو بن الأطنابة"، "وقولي كلما جشأت وجاشت" -وذكر البيت-.
4- وقال آخر: بل قول المزني وافر:
دعوت بني قحافة فاستجابوا ... فقلت ردوا فقد طاب الورود
حتى ذكر نحو مائتي بيت (منها أبيات لأبي) تمام الطائي، فقال أبو دلف: "وهذا والله أشعر الأولين والآخرين حيث يقول طويل:
فقد كان قوت الموت سهلاً فرده ... إليه الحفاظ المر والخلق الوعر
ونفس تعاف الذم حتى كأنما ... هو الكفر يوم الروع أم دونه الكفر
فأثبت في مستنقع الموت رجله ... وقال لها من تحت أخمصك الحشر
غداً غدوة والحمد نسج رداؤه ... فلم ينصرف إلا وأكفانه الأجر"
أشعر بيت قيل في الجبن
488 أخبرنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي عن المفضل عن الشعبي قال: "أشعر بيت قيل في الجبن قول جرير كامل:
ما زلت تحسب كل شيء بعده ... خيلاً تكر عليكم ورجالا"
قال: "وإنما أخذ هذا المعنى من قول الله تعالى: "يحسبون كل صيحة عليهم".
489 قال: "قول الطرماح مليح في هذا المعنى طويل:
ولو أن حرقوصاً على ظهر قملة ... يكر لى صفي تميم لولت"
490 وقال المبرد "أحسن ما قيل في صفة الجبان قول الشاعر وافر:
طليق الله لم يمنن عليه ... أبو داود وابن أبي كبير
ولا الحجاج عيني بنت ماء ... تلقب طرفها حذر الصقور
أشعر بيت قيل في السؤدد
491 حكى أبو هفان قال: "أشعر بيت قيل في السؤدد أربعة:
1- قول مهلهل بن ربيعة كامل:
ضاعت أمور الناس بعدك كلها ... واستب بعدك يا كليب المجلس
ولقد تكون جلالة ومهابة ... فهم ومقولهم أمامك إخرس
2- وقول عمر بن بياضة متقارب:
ولدناك يا شيبة المكرما ... تساقي زوار أهل الحرم
فأكرم بشيبة بيت الإله ... وأنت بنفسك بيت الكرم
492 قال أبو علي: والخبر في ذلك، أن عبد المطلب لما أسنت أهل مكة، وامتنع القطر، وأخلفت الأنواء، جمع الناس عبد المطلب، فاستقى بهم، فسقوا به. وفي ذلك خبر مستفيض تتداوله الرواة. ثم إن بلاد قيس أقحطت، فلم تكن لها مرعى، ولم تنبت كلأ فاجتمعت قيس للمشورة، وإجالة الرأي، فقالت فرقة منهم: "انتجعوا وادي بين تميم، وبلاد بني العنبر" وقالت فرقة منهم: "إن تميماً عدد كثير، لا يفضل عنهم ما يكفيهم" وقالت فرقة: "لينتجع ولد كل أب منكم بولد أب من غيركم، فاعقدوا بينكن حلفاً يشركونكم في ريفهم" فقام رجل مجمع الخلق، حسن الوجه، فقال: "يا معشر قيس! أنكم قد أصبحتم في أمر ليس بالهزل، وقد بلغني أن سيد البطحاء، استسقى فسقي، وشفع فشع، فاجعلوا قصدكم إليه واعتمادكم عليه، فإنه أنجح للطلب، وأقرب للنسب" فارتحلت قيس، وأسد، وهديل، ومن داناهم من مضر، حتى دخلوا على عبد المطلب بن هاشم فسلموا عليه وعظموه، فقال لهم: "أفلحت الوجوه! " فتكلم ذلك الوجوه المشير فقال: "يا أبا الحارث! نحن ذوو أرحامك الواشجات، أصابتك سنون مجدبات، أفقرن الغني منا، وأهزلن السمين من شائنا وإبلنا، وقد بلغنا خبرك، وبان لكنا أثرك فاشفع لنا إلى مشفك" فقال: "بالرحب والكرامة والبركة والسلامة، إلاهنا عظيم، وسيدنا كريم يجيب الدعاء ويكشف البلاء، وموعدكم في غد جبل عرفات" ثم غدا في ولده وولد أبيه من بني عبد مناف، فصعد الجبل، ثم صف ولده مما يليه، وولد أبيه خلفهم، وسائر بطون العرب خلف ولد أبيه، ثم تقدمهم عبد المطلب حاسراً فقال: "اللهم رب البرق الخاطف، والريح العاصف، والرعد القاصف، مالك الرقاب، ومسبب الأسباب، هذه مضر خير البشر قد شعثت شعورها واحدودبت ظهورها، وغارت عيونها ويبست جلودها، وقد صار أنضاء بعد نعيم ورغد، وعيش خفض، وقد جاؤوا إليك، وأناخوا بفنائك، يشكون سوء المال، وشدة الزمان، وضعفاً من الهزال، وخلفوا نساءاً ظلعاً، وأطفالاً رضعاً، وبهائم رتعاً، فأتح اللهم لهم ريحاً درارة، وسماء خرارة، تضحك أرضهم، وتذهب ضرهم، بسحابات مزن، تنسكب مطراً سحاً، متداركاً، متدافقاً، رويا".