نام کتاب : جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة نویسنده : أحمد زكي صفوت جلد : 2 صفحه : 396
ظهرت، ولا لأي هفوة حضرت؛ ولكني كرهت شمائلها، فقطعتُ عني حبائلها، فقال معاوية: وأي شمائلها يا أبا الأسود كرهتَ؟ قال: يا أمير المؤمنين: إنك مهيجها علي بجواب عتيد[1]، ولسان شديد، فقال معاوية: لا بد لك من محاورتها، فارددْ عليها قولها عند مراجعتها، فقال أبو الأسود: "يا أمير المؤمنين، إنها كثيرة الصخب، دائمة الذرب[2]، مهينة للأهل، مؤذية للبعل، مسيئة إلى الجار، مظهرة للعار، إن رأت خيرًا كتمته، وإن رأت شرًّا أذاعته"، قالت: "والله لولا مكان أمير المؤمنين، وحضور من حضره من المسلمين، لرددت عليك بوادر كلامك، بنوافذ أقرع بها كل سهامك[3]، وإن كان لا يجمل بالمرأة الحرة أن تشتم بعلًا، ولا أن تظهر لأحد جهلًا"، فقال معاوية: عزمت عليك لما أجبته، فقالت: "يا أمير المؤمنين، ما علمته إلا سئولًا جهولًا، ملحًا بخيلًا[4]، إن قال فشرُّ قائل، وإن سكتَ فذو دغائل[5]، ليثٌ حين يأمن، وثعلبٌ حين يخاف، شحيحٌ حين يضاف[6]، إن ذكر الجودُ انقمعَ[7]، لما يعرِف من قِصَرِ رشائه[8]، ولؤم آبائه، ضيفُه جائعٌ، وجارُه ضائعٌ، لا يحفظُ جارًا ولا يحمى ذمارًا، ولا يدرك نارًا، أكرم الناس عليه من أهانَه، وأهونهم عليه من أكرمَه"، فقال معاوية: سبحان الله لما تأتي به هذه المرأة من السجع! فقال [1] حاضر مهيأ. [2] الصخب: شدة الصوت، والذب: حدة اللسان وبذاءته. [3] البوادر: جمع بادرة، وهي ما يبدو من حدتك في الغضب من قول أو فعل، بنوافذ أي بحجج نافذة ماضية، وكَلَّ السيفُ وغيرُه فهو كَلٌّ وكليلٌ: لم يقطع. [4] وكان أبو الأسود معروفًا بالبخل.
ومن طريف ما يروى عنه أن رجلًا قال له: "أنت والله ظرف لفظ، وظرف علم، ووعاء حل، غير أنك بخيل" فقال: "وما خير ظرف لا يمسك ما فيه؟ " وسلم عليه أعرابي يومًا، فقال أبو الأسود: كلمة مقولة؛ فقال له: أتأذن في الدخول؟ قال: وراءك أوسع لك، قال: فهل عندك شيء؟ قال: نعم، قال: أطعمني، قال: عيالي أحق منك، قال: ما رأيت ألأم منك! قال: نسيت نفسك. "أمال المرتضى 1: 214". [5] دغائل: جمع دغيلة كسفينة. والدغيلة والدغل بالتحريك: دخل في الأمر مفسد. [6] ضافه يضيفه: نزل عليه ضيفًا. [7] انقمع: دخل البيت مستخفيًا. [8] الرشاء في الأصل الحبل.
نام کتاب : جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة نویسنده : أحمد زكي صفوت جلد : 2 صفحه : 396