نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 79
إذا هزَّه في عَظْمِ قِرْن تهللت ... نَواجِذُ أفواه المنايا الضواحِكِ1
يرى الوحشةََ الأُنس الأَنيس ويهتدي ... بحيث اهتدت أم النجوم الشوابك2
وتلك كانت حياة أكثرهم؛ فهم يقطعون مفازة في النهار، فإذا جَنَّهم الليل وجدتهم في مفازة أخرى وقد ركبوا ظهور المهالك والمعاطب؛ لا يستصحبون رفيقًا غالبًا سوى أرجلهم التي تعودت العدو السريع. وهم دائمًا مفزعون حتى في النوم؛ فإذا ناموا لم ينم قلبهم بل ظل يكلؤهم ويرعاهم خيفة عدو راصد من وحش أو إنسان؛ بل إن النوم لا يكاد يلم بعيونهم إلا غرارًا، فهي معلقة بسيوفهم التي لا تلبث أن تستقر في صدور من يهجمون عليهم، فيضحك الموت، ويكشر عن أنيابه الغلاظ.
وعلى هذه الشاكلة هم دائمًا مستوحشون؛ بل إنهم ليؤثرون الوحشة ويستحبونها إذ يرون فيها الأُنس، فأنسهم في التفرد بالفلوات والقفار التي تمرسوا بها وعرفوا مسالكها ودروبها معرفة تجعلهم لا يضلون قصدهم كما لا تضل الشمس قصدها؛ بل يهتدون دائمًا إليه.
وهذه الحياة القاسية المخوفة هي التي دفعتهم إلى الإشادة باحتمال الشدائد والجرأة والشجاعة، فإن القبيلة إن لم يكن لها حماة يذودون عنها تخطفتها القبائل من حولها وفنيت فيها. وكان أهم حيوان أعانهم على احتمال هذه الحياة المجهدة البعير الذي يتحمل -مثلهم- مشاق الصحراء ولا يرهقه عطش ولا جوع ولا ما يحمله من أثقال؛ فهو رفيقهم المفضل الذي يوافقهم؛ ولذلك طالما أشادوا به في شعرهم وكثيرًا ما يصفون معه الحيوانات التي تصادفهم، ولذلك طالما أشادوا به في شعرهم وكثيرًا ما يصفون معه الحيوانات التي تصادفهم من مثل أُتن الوحش وحمارها وبقر الوحش وثورها والنعام والظباء. وكان فرسانهم ينفقون أيامهم على صهوات الجياد يرتادون بها مجاهل الصحراء ويلقون عليها الأعداء، وقد يتخذونها لصيد الوحش على نحو ما يصور لنا ذلك امرؤ القيس في معلقته وزهير في لاميته3
وكان صيد الحيوان الشغل الشاغل لكثيرين منهم؛ فكانوا يدربون الكلاب عليه ويضرُّونها تضرية، حتى تصبح من الجوارح الفاتكة، وفي شعرهم قطع كثيرة تصف المعارك التي كانت تنشب بينها وبين الأتن وحمارها أو البقر وثورها.
1 القرن: الكفء والنظير، تهللت: تلألأت وأشرقت
2 أم النجوم: الشمس
3 انظر ديوان زهير ص124 وما بعدها.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 79