responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 78
لا تُحدّ. ووقفت الصحراء تحميهم وتحرس تقاليدهم ولغتهم وتقيم أسورًا من دونهم ودون هذه الحياة الصحراوية، وهي حياة كان غذاؤهم فيها بسيطًا، فقليل من الشعير يكفيهم، وإذا أضيف التمر واللبن؛ فذلك غذاء رافه، وكان لباسهم بسيطًا كغذائهم، وهو ليس أكثر من ثوب طويل يضمه في وسطه منطقة، وقد تلفه عباءة، وغطاء للرأس يمسكه عقال.
ولكن لا تظن أن هذه الحياة البسيطة كانت سهلة، فقد كانت الصحراء مليئة بالمخاوف والمخاطر؛ إذ فيها غير قليل من الوحوش والسباع والحشرات والحيات، وفيها القفار الجرداء الزاخرة بالخنادق والمهاوي ورياح السموم، وفيها حنادس الليل المظلم المخيف التي كانت تلقي في روعهم بالخيالات والأوهام وما تمثل لهم من السعالي والجن واليغلان. وفي تضاعيف ذلك كان العرب يتربص بعضهم ببعض؛ إذ كانت حياتهم كما قدمنا حياة حربية دامية، وكاد أن لا يكون هناك حي أو عشيرة بل أسرة إلا وهي واترة موتورة.
وقد تحولت هذه الحياة الحربية من بعض وجوهها إلى مصدر من مصادر رزقهم؛ إذا كانوا يتخذون الغزو وسيلة من وسائل عيشهم، وهو عيش مشوب بالضنك والشظف وهذا الصراع العنيف الذي كانوا يخوضونه ضد مخاطر الصحراء ومن يترصدهم من الأعداء، وصوَّر ذلك تصويرًا طريفًا تأبط شرًّا في كلمة له[1] فقال:
يظل بموماة ويُمسي بغيرها ... جحيشًا ويعروري ظهور المهالك2
ويسبق وفد الريح من حيث نتحي ... بمنخرق من شدة المتدارك3
إذا خاط عينيه كرى النوم لم يزل ... له كالئ من قلب شيحان فاتك4
ويجعل عينيه ربيئة قلبه ... إلى سلة من حد أخضر باتك5

[1] المزروقي 1/ 95 وأمالي القالي 2/ 138 وزهر الآداب 2/ 18.
2 يظل هنا: يغدو، الموماة: الفلاة، جحيشًا: منفردًا، يعروري: يركب
3 وفد الريح: أولها، ينتحي: يقصد.
منخرق: سريع يقصد العدو السريع الشد: العدو، المتدارك: المتلاحق.
4 خاط عينيه كرى النوم: نام، الكالئ، الرقيب، الشيحان: الجاد في الأمر.
5 الربيئة: الرقيب والديدبان، والسلة: الواحدة من سل السيف، والأخضر: السيف، والباتك: القاطع.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 78
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست