نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 44
احتذى الفرس الساسانيون معهم سياسةَ الرومان والبيزنطيين أعدائهم التقليديين مع عرب الشام. وربما كان جَذيمة الأبرش أهم ملك أسطوري ظهر في هذه الأنحاء قبل اللخميين، ويقال: إنه كان يعاصر الزباء، وخلفه ابن أخته عمرو بن عدي اللخمي وهو رأس المناذرة. وتاريخهم أكثر وضوحًا من تاريخ الغساسنة، وربما كان ذلك يرجع إلى أن ملوك الفرس دونوا تاريخهم، فأخذه عنهم العرب، على أن ابن الكلبي يزعم أنه استخرج تاريخهم من بِيَع الحيرة وأديرتها.
وكان هؤلاء العرب العراقيون ينزلون في الخيام أولًا، ثم تحولوا إلى قرية في الجنوب الشرقي من النجف الحالية، كانت تقع في منطقة خصبة يرويها نهر الفرات، وهي الحيرة "تحريف لكلمة حرتا في السريانية ومعناها المخيم أو المعسكر" وسرعان ما نصب عليها الساسانيون المناذرة ليحموهم من غارات البدو وليساعدوهم في حروبهم ضد الرومان والبيزنطيين وأحلافهم من الغساسنة عرب الشام. ويقال إن سابور "241-272" هو الذي نصب عمرو بن عدي، وتتابع من بعده خلفاؤه من بيته، وربما كان ابنه امرؤ القيس الذي عُثر على نقشه في النمارة كما أسلفنا يدين بالولاء للفرس والروم جميعًا؛ أما من خلفوه فكانوا يدينون بهذا الولاء للفرس وحدهم، ومن أهمهم النعمان الأعور أو السائح، وكان له جيش قوي يتألف من كتيبتين هما الشهباء والدوسر. واشتهر ببنائه قصرى الخورنق والسدير، ونرى الملك الساساني الذي كان يعاصره وهو يزدجر الأول "399-420" يرسل أكبر أبنائه إليه؛ لينشأ في قومه، وليتعلم الفروسية والصيد، وهو بهرام جور ولما توفي يزدجرد أراد الفرس إقصاءه على العرش فتدخل النعمان، وأيده بجيش مكنه من استرداد عرشه، فأعلى ذلك من شأن المناذرة والحيرة. وهيأ لها موقعها في طرق القوافل أن كانت مركزًا مهمًّا للتجارة؛ فعاش المناذرة معيشة يسودها غير قليل من الترف، بسبب التجارة التي كانوا يشاركون فيها وبسبب ما كان عندهم من حياة زراعية. ومن غير شك يسبق المناذرة الغساسنة في الرخاء، ولعل ذلك ما جعل حياتهم أكثر استقرارًا بالقياس إلى غساسنة الشام، كما جعلهم أكثر حضارة ورقيًّا.
وأزهى عصورهم عصر المنذر بن ماء السماء "حوالي 514- 554م" وقد
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 44