نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 34
حاضرة ملكهم وما حولها وفي الحجر حاضرتهم الجنوبية وبُصرى بحوران في الشام عاصمتهم الشمالية، وما يتصل بهذه الجهات في شرق الأردن وجبل الدروز، وقد مر بنا أنهم كانوا الصلة بين العرب الجنوبيين وحوض البحر الأبيض، وبلغ من قوتهم أن كان يخشاهم اليهود وبقية أمم الشام حتى أهل روما كانوا يخشونهم؛ فعملوا على القضاء على دولتهم حتى تم لهم ذلك كما قدمنا سنة 106 للميلاد. ولم ينته بذلك تاريخهم، فنقوشهم تستمر إلى القرن الثالث الميلادي، ويظهر أنهم تلاشوا بعد ذلك في العرب. وكانوا يتكلمون في أحاديثهم اليومية العربية؛ إلا أنهم اختلطوا بالآراميين عن طريق التجارة وأخذوا عنهم أبجديتهم أو خطهم وكتبوا به نقوشهم؛ ولذلك قد يعدهم بعض الباحثين من الآراميين، ولكن من المحقق أنهم كانوا عربا يتخاطبون بالعربية.
ولما سقطت دولتهم وانتشروا في الحجاز ونجد؛ أخذ شيوخ العرب وأمراؤهم يتخذون خطهم في كتابة نقوشهم وهجروا الخط اللحياني والثمودي والصفوي. وسرعان ما تطور هذا الخط النبطي الآرامي إلى الخط العربي الذي كتب به القرآن الكريم والمؤلفات الإسلامية. وهناك روايات عند المؤرخين المسلمين تزعم أن الخط العربي منشؤه الحيرة وأنه نقل منها إلى مكة والحجاز؛ غير أن هذه الروايات لا تتفق ووثائق النقوش التي كشفت في الحجاز ودرسها علماء اللغات السامية، فقد وجدوا نقوشًا حجازية وغير حجازية تصور انتقال الخط الآرامي إلى خط نبطي، ثم انتقال هذا الخط إلى الخط العربي. والمعروف أن الحيرة قبيل الإسلام كانت نصرانية وكانت تزخر بالثقافة السريانية، كما كانت تكتب بالخط السرياني قلم المسيحيين في هذه الأنحاء. ولا يعقل أن يكونوا هم الذين تطوروا بالخط النبطي واشتقوا منه الخط العربي؛ لأنه لم يشع في ديارهم ولأنه كان خط الوثنيين في شمالي الحجاز. وقد يكون مرجع هذا الوهم في روايات المؤرخين الإسلاميين أن الخط الكوفي نما وازدهر في الكوفة؛ فظنوا أن هذه البيئة هي التي ابتكرت الخط العربي وأنه نما وتطور في الحيرة.
والحق أنه إنما حدث له هذا النمو والتطور في الحجاز نفسها؛ فقد كانت بها حياة تجارية مزدهرة، جعلتهم يأخذون الخط المعيني أولًا، ويتطورون به إلى
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 34