نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 238
فذبح جُؤْذوا[1]، فأتاه بعينيه، وندم حجر على ذلك، فقال: أبيت اللعن! إني لم أقتله، قال: فأتني به.. فرده إلى أبيه، فنهاه عن قول الشعر، ثم إنه قال قصيدته: "ألا انعم صباحًا أيها الطلل البالي" فبلغ ذلك أباه فطرده، فبلغه مقتل أبيه بدمون[2]. وواضح أن هذا الخبر يلتقي بسابقه ويكتمل بنفس أسلوبه فهو منتحل، صنع تعليقًا وتوضيحًا لبعض أبيات معلقته التي يذكر فيها صاحبته فاطمة ويذكر معها يوم دارة جُلْجل. ومثل هذين الخبرين ما قاله بعض الرواة من أن أباه طرده لتغزله ببعض نسائه.
والحق أن هذه الأخبار ظاهرة الانتحال هي وكل ما يتصل بها من أشعار يسوقونها على لسانه، وكأن ابن الكلبي وغيره من الرواة استلهموا ما تدل عليه أشعاره الصحيحة من أنه كان صبًّا بالشراب والصيد ومغازلة النساء؛ فلفقوا هذه الأخبار، وضمنوها بعض الأشعار. وفاتهم أنه عاش في عصر الوثنية وأنه كان أميرًا من أسرة تفرض سيادتها على كثير من القبائل فلا عجب أن يحيا حياة لاهية لا تتورع عن الإثم.
على أن الدهر لم يلبث أن قلب لهذا الفتى -العاكف على الصيد واللهو- ظهر المجن فإذا أبوه يُقتل، وإذا هو موتور، لا بد له من أخذ ثأره على عادة العرب، ولا بد أن يجاهد في سبيل استرداد ملك آبائه وملك كندة قبيلته على بني أسد قتلة أبيه. ويظهر أن بني أسد خافوا العاقبة، فأرسلوا إليه -في رواية للخليل بن أحمد- وفدًا للمفاوضة، وعرض عليه الوفد إحدى ثلاث: القصاص أو الفداء أو النظرة "الإمهال" حتى تضع الحوامل، فتعقد الرايات وتكون الحرب؛ فقال: "لقد علمت العرب أن لا كفء لحُجر في دم، وإني لن أعتاض به جملًا أو ناقة، فأكتسب بذلك سُبّة الأبد، وفَتّ العَضُد، وأما النظرة فقد أوجبتها الأجنة في بطون أمهاتها، ولن أكون لعطبها سببًا، وستعرفون طلائع كندة من بعد ذلك تحمل القلوب حنقًا وفوق الأسنة علقًا "دمًا" ورويدًا ينكشف لكم دُجاها عن فرسان كندة وكتائب حمير؛ فنهضوا عنه[3] وقد عرفوا أنه طالبهم. [1] الجؤذر: ولد البقرة الوحشية. [2] انظر الشعر والشعراء: 1/ 54، وشرح شواهد المغني للسيوطي ص6. [3] الأغاني: 9/ 103 وما بعدها.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 238