وخَضِمَ: أكل بأقصى الأضراس، أو أكل رطبًا؛ وقطم أي: عض، أو تناول الشيء بأطراف أسنانه فذاقه؛ وكزم الشيء: كسره بمقدم فمه واستخرج ما فيه ليأكله؛ وكدمه: عضه بأدنى فمه؛ وقشم: إذا نقى من الطعام رديه وأكل طيبه؛ ونحو ذلك من الأمثلة الكثيرة في اللغة؛ فكل أولئك إنما يقع فيه الإبدال لتجزئة المعاني، فترى الألفاظ متقاربة ترجع إلى مقطع واحد، وهي بعد متباينة في الدلالة؛ وكذلك ترى معاني كل طائفة منها ترجع إلى جنس واحد ثم تتباين متقاربة؛ وبهذا يتحقق الارتباط المتسلسل الذي هو برهان التاريخ على النشء اللغوي. وقد تجد للمعنى الواحد ألفاظًا متعددة في اللغة، ثم تجد كل لفظ قد صار أصلًا في الدلالة وتفرعت عنه ألفاظ أخرى عن طريق الإبدال، ثم يدل بكل لفظ على جزء من أجزاء المعنى، كما تجد من ألفاظ القطع مثلًا: قَطّ وقَصّ، وجَدّ، وغيرها، فإن هذه الألفاظ وضعت في الأصل حكاية لأنواع من أصوات القطع، إما حقيقية أو متوهمة، فقد تسمع أنت صوت الشيء المقطوع كأنه "قط" ولكن غيرك يتوهمه كأنه "قَت" وقد يكون لبعض الأشياء المقطوعة أصوات أخرى تحكي "جدّ" أو "كسّ" أو "قصّ" وغيرها. فنرى لفظ "قط" قد صار أصلًا وتفرع عنه: قطع، وقطف، وقطب، وقطم، وقطل، ونحوها. وترى لفظ "قص" قد تفرع عنه: قصم، وقصل، وقصب: وقصر، وقصف. ومن لفظ "جذ": جذب، وجذر، وجذف، وجذم، وهكذا، وكلها معان متقاربة تتقلب معها الألفاظ المتفرعة عن مقطع واحد, وهذا هو أكثر أنواع النمو في اللغة؛ لأنه أصل نشأتها، وللنحويين وأهل الصرف كلام في الإبدال وحروفه مَقِيسه ومسموعه لا يتعلق بغرضنا، ولهذا ضربنا عنه صفحًا.
القلب:
وهو تقديم وتأخير في بعض حروف اللفظة الواحدة، فتنطبق على صورتين بمعنى واحد، كقولهم: جذب، وجبذ، وما أطيبه، وما أيطبه. وأهل اللغة يقولون إن كل ما جاء في هذا القبيل فهو مقلوب وبذلك لا يعتبر إلا لغة واحدة من وضع واحد، وكأن هذا التقديم والتأخير إنما هو عارض في المنطق لسبب من الأسباب اللسانية كالخفة والثقل؛ وتابعهم على ذلك النحويين من الكوفيين؛ أما البصريون فلا يعتبرون القلب إلا متى رأوا أنه لا يمكن أن يكون اللفظان جميعًا أصلين في المعنى اللغوي بحيث يقصر أحدهما عن تصرف صاحبه ولا يساويه فيه، كقولهم: فلان شاكي السلاح وشائك، وجرف هار، وهاير، وحينئذ يعتبرون أوسع اللفظين في التصرف أصلًا للثاني ويعدون اللفظ الثاني مقلوبًا عنه، ويكون ذلك عندهم من قبيل الوضع الواحد.
وكل ما عدا ذلك مما يتصرف فيه اللفظان تصرفًا واحدًا، كجذب يجذب جذبًا[1] وجبذ يجبذ جبذًا، فليس بقلب عندهم، وإنما هما لغتان من وضعين مختلفين، وبذا يعد كلا اللفظين أصلًا مستقلا.
وقد صنف علماء اللغة ما جاء مقلوبًا من الألفاظ وعقد له السيوطي في "المزهر" النوع الثالث [1] هذا هو معنى التصرف.