بالملاءمة بينه وبين روح الحاضر.
ولسنا إلى ذلك نذهب، فهو بجملته لا يخرج عما يسمونه وحشيا[1] أو غريبًا[2] أو حوشيا[3]، وإنما نريد بالبقايا الأثرية ما أراده علماء اللغة أنفسهم حين جمعوها، فإنهم عدوا من اللغات: منكرًا، ومتروكًا، ومماتًا؛ فالمنكر: ما لا يعرفه بعض أئمة اللغة لكونه مهمل الاستعمال في العرب إلا قليلًا، وهو دون الضعيف الذي ينحط عن درجة الفصيح: كقول بعض أهل الحجاز: ذَأَي يَذْأَي، وهي في لغة أهل نجد: ذوى يذوي، وعليها الاستعمال. والمتروك: ما كان قديمًا من اللغات ثم ترك واستعمل غيره، وهذا ما سميناه آنفا "بالمصطلحات اللغوية" كالغزِّين في بعض تلك اللغات المتروكة أي: الشدقين، واحدهما غز؛ والبعقوط والبلقوط أي: القصير، ونحو ذلك. والممات: ما أميت استعماله: كأسماء الأيام والشهور في اللغة الأولى على ما زعموا، وقد ذكرها صاحب "الجمهرة"، وهي هذه:
ومن الممات عندهم لغات في التصريف: كقول الكسائي: محبوب، من حببت، وكأنها لغة قد ماتت، كما قيل: دمت أدوم، ومت أموت، وكان الأصل أن يقال أمات وأدام[5] في المستقبل -المضارع- إلا أنها قد تركت. ومن ذلك "ليس" الفعل الناقص؛ فإن بعضهم يظن مضارعه وأمره من [1] قال ابن رشيق: إذا كانت الكلمة مستغربة لا يعلمها إلا العالم المبرز والأعرابي القح، فتلك وحشية. [2] تتفاوت درجات الغريب بمقدار العناية بحفظه، حتى يبلغ أحيانًا أن لا يعد غريبًا إلا ما ذهب معناه وشاهده من العلم: فقد كان إمام اللغة في عصره محمد بن علي الأنصاري الأندلسي المتوفى بالقاهرة سنة 684هـ يقول: أعرف اللغة على قسمين: قسم أعرف معناها وشاهدها، وقسم أعرف كيف أنطق بها فقط. وسنذكر أشياء من عنايتهم بالغريب وحفظه في باب الرواية. [3] نسبة إلى الحوش: وهي بقايا إبل وبار التي ذكرناها في أصل العرب، والمراد أن ذلك غريب نادر.
4 ينسب ابن الكلبي ربى وحنينًا إلى عاد، ويجعل الاسمين من لغتهما ... وقال الفراء في كتاب "الأيام والليالي": خوان، من العرب من يشدده ومنهم من يخففه "ومنهم من يلفظه بالحاء"، ووبصان، منهم من يقول: بوصان، ومنهم من يقول: بصان؛ والحنين، منهم من يفتح حاءه ومنهم من يضمها. قال: وجمادى الآخرة يسمى ورنة ساكن الراء، ومنهم من يقول: رنة كزنة "وقد تقدم أن ورنة لذي القعدة، والفراء يسميه: هواعًا". وفي هذه الأسماء واشتقاق بعضها كلام كثير وقفنا عليه في كتب مختلفة، ولا حاجة لنا به في هذا الموضع. [5] قلت: كما يقال في مضارع خاف: أخاف.