بنفسي من يناجيهِ ... ضميري بأمانيهِ
ومنْ يعرض عن وصفي ... كأني لستُ أعينيهِ
لقد أسرفتُ في الذلِّ ... كما أسرفتَ في التيهِ
أما تذكرُ لي إحسا ... نَ يومٍ فُتكافيهِ
ومن قوله، أنشده المبرد:
يا فراقاً أتى بإثر فراقِ ... واتفاقاً جرى بغيرِ اتفاقِ
حينَ حُطتْ ركابنا لإياب ... زمَّ منه رِحاله لانطلاقِ
إن نفسي بالشامِ إذ أنتَ فيها ... ليسَ نفسي نفسي التي بالعراق
أشتهي أن ترى فؤادي فتدري ... كيفَ صبري عنكم وكيف اشتياقي
أخبر أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة قال: أنشدنا محمد بن سلام لمحمد بن أمية بن أبي أمية:
وملاحظينِ يُكاتمانِ هواهما ... جعلا الصدورَ لما تجنُّ قبورا
يتلاحظانِ تلاحظاً فكأنما ... يتناسخانِ من الجُفونِ سطورا
وأخبر أبو بكر قال: أنشدنا محمد بن سلام أيضاً:
تترجم عنا في الوجوهِ عيوننا ... ونحنُ سكوتٌ والهوى يتكلمُ
ونغضبُ أحياناً فنرضىَ بطرفنا ... وذلك بادٍ بيننا ليس يُعلمُ
وأنشد ابن أبي خيثمة عن دعبل وغيره عنه:
ربَّ وعدٍ منكِ لا أنساه لي ... واجبُ الشكرِ وإن لم تفعلي
أقطعُ الدهرَ بظنٍّ حسنٍ ... وأُجلى غمرةً ما تنجليِ
وأرى الأيام لا تُدني الذي ... أرْتجي منكِ وتُدني أجليِ
كلما أملتُ يوماً صالحاً ... عرضَ المكروهُ لي في أمليِ
حدث محمد بن القاسم قال: حدثني محفوظ بن عبيد الله قال: حدثني ابن أبي فنن قال: دخل أبو العتاهية على العباس بن الفضل بن الربيع، فقال: بلغني أن في ناحيتك شاباًّ يقول الشعر، قال: هو أقربُ الناس مجلساً منك وكان إلى جانبه محمد بن أبي أمية فقال أبو العتاهية: أنشدني شيئاً من شعرك. فأنشده هذه الأبيات، فلم يزل أبو العتاهية يبكي وأنشد أيضاً عنه له:
يا ليتَ شِعري ما يكونُ جوابي ... أما الرسولُ فقد مضى بكتابي
وتعجلتْ نفسي الظنونَ وأشربتْ ... طمع الحريص وخشية المرتاب
ويروعني حركاتُ كل محركٍ ... والبابُ قرعته، وليس ببابي
واحسرتا من بعدِ هذا كُلهِ ... إنْ كانَ ما أخشاهُ ردّ جوابيِ
ومن قوله:
أيا كثيرَ العِللِ ... ويا قليلَ الشُّغُلِ
ويا لذيذَ القُبلِ ... ويا عظيمَ الكفل
سُرعةَ هذا خنتني ... فأينَ أيمانكَ لي؟
تؤيسني مُجتهداً ... منكَ ويأبىَ أمليِ علي وعبد الله وأحمد
بنو أمية بن أبي أمية، شعراءٌ محسنون.
أنشد أبو هِفان لعلي:
أحبك حُبا لو يفضُّ يسيره ... على الخلقِ مات الخلقُ منْ شدةِ الحبِّ
وأعلمَ أني بعدَ ذاك مُقصرٌ ... لأنك في أعلى المراتبِ منْ قلبي
وأنشد ابن خيثمة عن دعبل لعلي بن أمية، قال أبو هفان: هما لمحمد، وهذا مشهور من قول علي، أنشدنيه عن أبي حشيشة:
يا ريحُ، ما تصنعينَ بالدمنِ؟ ... كمْ لكِ منْ محوِ منظرٍ حسنِ؟
محوتِ آثارنا، وأحدثتِ آ ... ثاراً بربع الحبيبِ لم تكنِ
ومن قول علي بن أمية بن أبي أمية. أنشدهما أبو هفان:
أنا مُشتاقٌ إلى منْ ... لا يباليِ باشتياقِ
أنا أبكي من هوايي ... هِ ومنْ يومِ الفراقِ
وعلي هذا هو: أبو أبي حشيشة الطنبوري، ولأبي حشيشة شعر صالح، واسمه: محمد بن علي، وكنيته: أبو جعفر.
ومن قول عبد الله، أنشده أبو هفان. ويروى هذا الشعر للأشتر صاحبِ علي عليه السلام وهو طويل يقول فيه:
إن لمَ أشنَّ على ابنِ حربٍ ...
لا تربعنَّ على محلِّ البوسِ ... حيثُ الرئيسُ بمنزلِ المرءوسِ
إن لم أشنَّ على ابن سهلٍ غارةً ... لم تخلُ يوماً من نهاب نفوسِ
فوفرتُ وفرى وانحرفتُ عن العُلا ... ولقيتُ أضيافيِ بوجههِ عبوسِ