ما دام كل منهما يسلبني مالي ويتغفلني عنه.
أنا لا أنكر على التاجر ربحه، ولكن أنكر عليه أن يتناول منه أكثر من الجزاء الذي يستحقه على جهد نفسه في جلب السلعة وبذل راحته في صونها وإحرازها، وكل ما أعرف من الفرق بين حلال المال وحرامه أن الأول بدل الجد والعمل، والثاني بدل الغش والكذب.
فتشت عن الفضيلة في مجالس القضاء، فرأيت أن أعدل القضاة من يحرص الحرص كله على أن لا يهفو في تطبيق القانون الذي بين يديه هفوة يحاسبه عليها من منحه هذا الكرسي الذي يجلس عليه؛ مخافة أن يسلبه إياه، أما إنصاف المظلوم والضرب على يد الظالم، وإراحة الحقوق على أهلها وإنزال العقوبات منازلها من الذنوب، فهي عنده ذيول وأذناب لا يأبه[1] لها ولا يحتفل بشأنها إلا إذا أشرق عليها الكوكب بسعده، فمشت مع القانون في طريق واحد مصادفة واتفاقا، فإذا اختلف طريقهما بين يديه حكم بغير ما يعتقد، ونطق بغير ما يعلم ودان البريء وبرَّأ الجاني، فإذا عتب عليه في ذلك عاتب كانت معذرته إليه حكم القانون عليه، كأنما يريد أن يجعل العقل أسير القانون [1] أبه للشيء تفطن له، واحتفل به.