وما القانون إلا حسنة من حسنات العقل وصنيعة من صنائعه، فتشت عن الفضيلة في قصور الأغنياء فرأيت الغني إما شحيحًا أو متلافًا، أما الأول فلو كان جارًا لبيت فاطمة -رضي الله عنها- وسمع في جوف الليل أنينها وأنين ولديها من الجوع ما مد أصبعيه إلى أذنيه ثقة منه أن قلبه المتحجر لا تنفذه أشعة الرحمة، ولا تمر بين طياته نسمات الإحسان، وأما الثاني فما له بين ثغر الحسناء، وثغر الصهباء، فعلى يد أي رجل من هذين الرجلين تدخل الفضيلة قصور الأغنياء.
فتشت عنها في مجالس السياسة؛ فرأيت أن المعاهدة والاتفاق والقاعدة والشرط ألفاظ مترادفة معناها الكذب، ورأيت أن الملك في كرسي مملكته، كالحوذي في كرسي عربته، لا فرق بينهما إلا أن هذا ينقض "تعريفته"، وذاك ينقض معاهدته، ورأيت أن أعدى عدو للإنسان الإنسان، وأن كل أمة قد أعدت في مخازنها ومستودعاتها، وفي بطون قلاعها وعلى ظهور سفنها، وفوق متون طياراتها ما شاء الله أن تعده لاختها من عدد الموت وأفانين العذاب، حتى إذا وقع بينهما الخلف على حد من الحدود أو لقب من الألقاب لبس الإنسان فروة السبع، واتخذ له من تلك العدد الوحشية أظفارًا كأظفاره وأنيابا كأنيابه فشحذ