فيخيل إليك، وأنت تراه ينطق بما ينطق به كأنما هو يصنعه بيديه صنعا، أو يصففه تصفيفا، ثم لا يبالي بعد ذلك باستقامة المعنى في ذاته ولا بمقدار ماله من الأثر في نفس السامع، وهذا الحديث هو أسقط الأحاديث الثلاثة وأدناها وأجدرها أن ينظمه الناظم في سلك الصناعة اليدوية التي لا دخل للعقل، ولا للفهم في شيء منها، وأن ينظم صاحبها في سلك جماعة الصيادلة الذين لا شأن لهم إلا تحليل المواد وتركيبها، وجمعها وتفريقها، والمزاوجة بين مقاديرها، والموازنة بين أثقالها، من حيث لا يكون لقوة التصور، ولا لذكاء القلب، دخل في هذا أو ذاك.
وأما حديث العقل، فهو تلك المعاني التي ينحتها الناحتون من أذهانهم نحتا، ويقتطعونها من اقتطاعها، ويذهبون فيها مذهب المعاياة، والتحدي والتعمق والأغراب، ويسمونها تارة تخييلا، وأخرى غلوًا، وأخرى حسن تعليل إلى كثير من أمثال هذه الأسماء والألقاب التي تتفرق ما تتفرق، ثم يجمعها شيء واحد هو الكذب والإحالة، وآية ما بينك وبينها أنك إذا رأيتها شعرت بأنك ترى أمامك شيئا غريبا عن نفسك، وعن نفس صاحبه، وعن نفوس الناس جميعا، وأن صاحبه لا يريد منه إلا أن