وينظمون لآلئها، نظم الثاقب لآلئه في السلك، فيأخذها الناس عنهم من أخصر الطرق وأقربها، وأشهاها إلى النفس، وأعلقها بالقلب، وقليل من الناس من يأخذ مادته اللغوية من معاجم اللغة أو يكتسب ملكة الإعراب من كتب النحو والتصريف، وما كانت اللغة عدوة للأدب، ولا كان الأدب عدوًّا لها، بل هي أساسه وقوامه الذي يقوم به، ولكن المشتغلين بها، والمتوفرين على دراستها، والمنقطعين لاستظهارها، والنظر في دقائقها، والتعمق في أطوائها، لا يزال يغلب عليهم الولع بها، والفناء فيها، حتى تصبح في نظرهم مقصدًا من المقاصد، لا وسيلة من الوسائل، وللبيان وسائل كثيرة غير وسيلة اللغة، فمن لا يأخذ نفسه بجميع وسائله لا يصل إليه والتربية العلمية كالتربية الجسمية، فكما أن الطفل لا ينمو جسمه، ولا ينشط ولا تتبسط أعضاؤه، ولا تنتشر القوة في أعصابه، إلا إذا نشأ في لهوه ولعبه، وقفزه ووثبه، كذلك الكاتب لا تنمو ملكة الفصاحة على لسانه، ولا تأخذ مكانها من نفسه، إلا إذا ملك الحرية في التصرف والافتتان والذهاب في مذاهب القول، ومناحيه كما يشاء وحيث يشاء، دون أن يسيطر عليه في ذلك مسيطر إلا طبعة وسجيته، واللغوي لا يزال يحوط نفسه بالحذر والخوف، والوساوس والبلابل،