الحقائق واضحة بين مؤتلفات الأعمال والأقوال، ولكن أرى أن حب الحق يجب أن يكون في مرتبة الغلو حتى تهب عاطفته هبوب العاصفة فتذهب بالأقذاء والأقذار.
يعيش المرء بين سعادتين من حاضره ومستقبله، أما الأولى فيكفلها العدل، وأما الثانية فيحرسها الرجال والأمل، لذلك يحب الناس القاضي العادل، والكاهن الصالح؛ لأن الأول صورة العدل، والثاني مثال الرجاء، فإذا انقلب العدل ظلما، والأمل يأسا، عافهما الإنسان ولوى وجهه عنهما، وقال للقاضي: "لا أحب قانونك" وللكاهن "لا أعتقد بدعتك" وهناك يهب الفيلسوف الغيور غاضبا فيحاكم القضاء أمام العدل والكهنوت أمام الله، وكذلك فعل فولتير فكان من المحسنين.
إن الرجل العظيم لا يظهر في المجتمع وحيدا إلا قليلا، وكلما كثر العظماء حوله ارتفع شأنه وعلا ذكره، فهو كالشجرة تكون في نظر الناظر أطول في الغابة الشجراء منها في التربة الجرداء؛ لأنها تكون في منبتها ومستقرها، وكان فولتير في غابة من العقول الكبيرة، روسو وديدرو وبوفون وبومارشه ومونتسكيو، أولئك القوم المفكرون هم الذين علموا الناس النظر في حقائق الأشياء والتفكر الموصل إلى إتقان الأعمال، وعلموهم