عجزت أن تمتنع على القضاء، وتصد عن نفسك عادية البلاء
ولم أر مثل القصر إذ ريع سربه ... وإذ ذعرت أطلاؤه وجآذره
تحمل عنه ساكنوه وهتكت ... على عجل أستاره وستائره
أيها السجن: حل بأرجائك اليوم ملك تضيق به الدنيا فكيف وسعته، وتعجز عن احتماله قلل الجبال الرواسي فكيف احتملته.
رفقا به لا تزعجه ولا تحرج صدره، وضم جانحتيك عليه كما تضم على القلب حنايا الضلوع، واعطف عليه عطف المرضعات على الرضيع، ارحم هذا الجلال الذاهب، والعز الزائل، والرأس الذي بيضته حوادث الدهور، والظهر الذي قوسته أيدي المقدور.
أيها الدهر: ألا تستطيع أن تنام عن هذا الإنسان لحظة واحدة، ألا تستطيع أن تسقيه كأس السرور خالصة لا يمازجها كدر ولا يشوبها عناء.
إن كنت تريد أن تسلبه فلم أعطيته، وإن كنت تريد أن تعطيه فلم سلبته، كان خيرا له أن لا تعطيه حتى لا تفجعه في تلك العطية, وأن لا تسقيه كأس السرور حتى لا يتجرع ذلك السم الذي أودعته تلك الكأس