عهدا وثيقا أن يتركوا هذه الأمثلة البالية إلى أمثلة جديدة مستطرفة تؤنس نفوس المتعلمين وتذهب بوحشتهم وتحول بينهم وبين النفور من منظر هذه الحوادث الدموية بين زيد وعمرو، وخالد وبكر.
لا ينال المتعلم حظه من العلم إلا إذا استطاع تطبيقه على العمل والانتفاع به في مواضعه ومواطنه التي وضع لأجلها، ولن يستطيع ذلك إلا إذا استكثر له معلمه من الأمثلة والشواهد الملائمة لقواعد ذلك العلم, وافتن له في إيرادها افتنانا يقرب إلى ذهنه تلك الصلة بين العلم والعمل ويسهل له الوصول إلى القدرة على تلك المطابقة، وإن أكثر المتعلمين في مدرسة الأزهر أبعد الناس عن القدرة على المطابقة لما حال بينهم وبين ذلك من الوقوف عند المثل الواحد لكل قاعدة من قواعد العلم، فلو أنك أردت أحدهم على أن يخرج في المنطق عن الحيوانية والناطقية، وفي النحو عن ضرب زيد عمرا وقتل خالد بكرا، وفي البيان عن تشبيه زيد بالبدر واستعارة الأظافر للمنية، وفي الصرف عن فعلل وافعوعل، لوجدت في نفسه من الجهد والمشقة وفي لسانه من العي والحصر ما يحزنك على أعوام طوال قضاها بين المحابر والدفاتر، ثم لم يحصل من بعدها على طائل.