عليه، ثم وقف بنوه من بعده موقفه فعجزوا عجزه، فلج بهم الشوق إليها لجاجا طار بعقولهم، وذهب بألبابهم، فتراموا على أقدام المنجمين والعرافين لثما وتقبيلا، وابتدروا النصب والتماثيل ركوعا وسجودا، وهاموا بزاجرات الطير والضوارب بالحصى هيام الإبل العطاش بمنازل الماء يطلبون ما وراء السريرة, والسريرة كنز مرصود لا تنجع فيه النفثات، ولا تجدي معه العزائم والرقي.
إنك لترى الرجل يتلألأ جبينه تلألؤ الكوكب في جنح ليل مبرد، ويفتر ثغره عن الأنوار، افترار الأكمام عن الأزهار، فتحسده على نعمته وسعادته، وتتمنى أن لو منحك الله ما منحه من هناء ورغد، وإن بين جنبيه لو تعلم هما يعتلج، وقلبا يدب فيه اليأس دبيب الآجال في الأعمار، وكبدا مقروحة لو عرضها في سوق الهموم والأحزان، ما وجد من يبتاعها منه بأبخس الأثمان.
وإنك لترى الصديق فيعجبك منه حديثه الحلو وثغره المبتسم، ويروقك من وده كلفه بك، وإعظامه لك، وإعجابه بشمائلك ومحاسنك، وتشيعه لآرائك ومذاهبك، ولو كشف لك من نفسه ما كشف له منها لوددت أن لو استطعت أن تبتاع أقدام السليك[1] بجميع ما تملك يمينك ففرت من وجهه فرارك [1] السليك رجل معروف بسرعة العدو عند العرب