قليل من أذكياء الغربيين فانتبهوا من رقدتهم، واستيقظوا من سباتهم، ورأوا من جمال المذاهب الإسلامية وشرائع الكون ونظاماته وقواعد الحرية والمساواة ما لفت نظرهم إلى المقابلة بين المجتمع الغربي الخامل الضعيف والمجتمع الشرقي اليقظ النابه، فقالوا أيمكن أن يعيش الإنسان على ظهر هذه المسكونة حرا لا يستعبده ملك ولا يسترقه كاهن، أيمكن أن يبيت الإنسان ليلة واحدة في حياته هادئا في مضجعه مطمئنا في رقدته لا يروعه دولاب العذاب ولا سيف الجلاد، أيمكن أن تملك النفس حريتها في النظر إلى نظام العالم وطبائعه ودراسة العلوم الكونية ومزاولتها، أيمكن أن يطلع فجر المدنية الاسلامية على هذا المجتمع الغربي فيمحو ظلمته التي طال عهدنا بها حتى عشيت أبصارنا فما يكاد يرى بعضنا بعضا.
كانت هذه الخواطر المترددة في عقول أولئك الأذكياء هي الخطوة الأولى التي مشتها أوروبا في طريق المدنية والعمران بفضل الإسلام وشرائعه التي عرفها هؤلاء الأفراد من مخالطة المسلمين في أوروبا, ومطالعة كتبهم ومناظرة حضارتهم ومدنيتهم، ثم أخذوا يعلمونها الناس سرا ويبثونها في نفوس تلاميذهم شيئا فشيئا ويلقون في سبيل نشرها عناء شديدا، واستمر هذا النزاع بين