نام کتاب : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية نویسنده : لويس شيخو جلد : 1 صفحه : 90
وهذه ألفاظ أخرى نردفها بأسماء الرهبان وردت أيضاًفي لغة أهل الجاهلية منها (السائح) بمعنى الراهب المتفرد في الأقفار ذكرها ابن هشام في سيرته عن أول داعٍ للنصرانيّة في نجران. وذكرها المؤرخون عن نعمان ملك الحيرة لّما ساح في الأرض بعد تنصُّره وزهده. والإسم السيلحة قال في التاج:"السيحة والسّيوح والسَّحان والسَّيح الذهاب في الأرض فأينما أدركه الليل صفّ قدميه وصلى حتى الصباح" وقد مرَّ بك أن هذا الاشتقاق ليس بصواب.
ومنها (الناسك) وهو المتعبد المتقرَّب الى الله بالصوم والصلاة واعمال البرّ اطلقها العرب على الراهب. والاسم النُّسك بتثليث أوّلها وكان الرهبان يحلقون وسط رأسهم وهي (القوقة) والرجل مقوَّق. جاء في كتاب الأضداد:
ايها القسُّ الذي قد ... حلق القوقة حلقهْ
لو رأيت الدفّ منها ... لنسقت الدفَّ نسقهْ
ومنها (الحازي والعرَّاف والكاهن) وهي ألفاظ التبست عليهم فتردّدوا في معانيها. ولاشكّ أنها أطلقت أيضاً على نصارى الجاهلية. فالحازي عندهم"الكاهن والعائف والعالم بالامور" والفظة معرَّبة من العبرانية (كلمة سريانية) أي الناظر والنبي أو مأخوذة من السريانيَّة (كلمة سريانية) أي المتفقّد والناظر والحكيم أرادوا بها رئيس الدين لحكمته ولعلها ترجمة اليونانيّة (كلمة سريانية) بمعنى الناظر أي الأسقف والراعي الديني.
وكذلك (العرَّاف) أرادوا بها الساحر والمنبئ بالمستقبل عموماً. وقد خصّوا بها النصارى قال جعفر بن سراقة في شعر مرَّ ذكره:
فريقان رهبان بأسفل ذي القرى ... وبالشام عرَّلفون فيمن تنصَّرا
ومثلهما (الكاهن) فانّها وردت بمعنى مدَّعي معرفة الأسرار والمتعاطي أخبار الكائنات في الماضي والمستقبل. والاسم الكهانة. لكن للكاهن معنى آخر لم يجهله العرب في الجاهليّة نريد به خادم الدين ومقرّب الأقداس للإله وهو معناها في العبرانية (كلمة سريانية) وفي الآرامية (كلمة سريانية) فلا بدَّ من القول أن العرب استعاروه منهما للدلالة على كهنة اليهود والنصارى وقد رأيت في فصولنا السابقة عن تاريخ النصرانية في جزيرة العرب شيوع هذا الدين في كل أنحاء العربيّة. والدين المسيحي لايقوم الاّ بالنظام الكنسيّ أي بوجود أساقفة وكهنة ومنه يتّضح أنهم لم يريدوا بلفظة الكاهن السحّرة والمشعوذين فقط بل أخذوها أيضاً بمعناها الخاصّ أي راعي الدين القويم وخادم الأسرار المقدّسة وان لم ينصُّ عليه. وقريب منه قول صاحب لسان العرب: "العرب تسمّي كلّ من يتعاطى علماً دقيقاً كاهناً ومنهم من كان يسمّي المنجّم والطبيب كاهناً" فطبيب الأرواح أحقّ به من سواه.
وفي تاريخ عرب الجاهلية أخبار بعض الكهَّان الذين دعوا إلى الله وردُّوا عن المنكر وأرشدوا الى الخير ما يدلّ على انّهم كانوا أرفع مقاماً من السّحرة.
مفردات نصارى الجاهلية الخاصّة بكنائسهم وأقداسها
سبق لنا عدّة ألفاظ مشتركة استعملها نصارى العرب لمناسكهم وعباداتهم كما سبقوا غيرهم إلى استعمالها كالمسجد والكعبة والمحراب والمئذنة والمنارة. ولهم ألفاظ أخرى خاصّة بهم تجري عندهم حتى اليوم وكانت شائعة قبل الإسلام كما سترى منها (الكنيسة) وهي لفظة ساميّة معناها المجمع عبرانيَّتُها (كلمة سريانية) وسريانيّتها (كلمة سريانية) فاتت بمعنى محلّ صلاة اليهود والنصارى ومنهم من يجعل الكنيسة للنصارى والكنيس لليهود. ومن الشواهد على استعمال اللفظة قديماً لمعبد النصارى قول جرير يهجو بني تغلب النصارى:
مافي مقام ديارِ تغلبَ مسجدٌ ... وبها كنائسُ حنتمٍ ودِنان
(قالوا) الحنتم الخزف الأخضر وأشيع منها لفظة (البيعَة) وهي سريانيّة (كلمة سريانية) ومعناها البيضة والقبَّة إشارة إلى شكل بناء الكنائس قديماً وذكرها مكرّر في الشعر الجاهليّ. قال ورقة بن نوفل:
أقول اذا صلّيتُ في كلّ بيعةٍ ... تباركتَ قد أكثرتَ باسمكَ داعيا
ومثله للزبرقان بن بدر التميميّ لّما وفد على نبيّ المسلمين:
نحن الكرامُ فلا حيٌّ يعادلنا ... منّا الملوكُ وفينا تنصبُ البيعُ
وأقدم منهما قول لقيط بن معبد في عينيَّتهِ التي وجهها إلى قومه ليحذّرهم من كسرى ذي الأوتاد:
تامتْ فؤادي بذاتِ الخالِ خرعبةٌ ... مرّت تريد بذاتِ العذبةِ البيَعا
نام کتاب : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية نویسنده : لويس شيخو جلد : 1 صفحه : 90