نام کتاب : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية نویسنده : لويس شيخو جلد : 1 صفحه : 182
وممن سعى في نشر التعليم من أساقفة النصارى في عهد بني أمية فثيون أحد جثالقة الكلدان قال عنه ابن ماري في تاريخ بطاركة كرسي المشرق من كتابه المجدل (ص66) انه "صب في كرسيه أسكولا فتشبه به الأساقفة في عمارة البيع والاسكولات".
أما المسلمون فإنهم لم ينشئوا المدارس إلا بعد هذا العهد بزمن طويل قال المقريزي في الخطط (2: 363) : "المدارس مما حدث في الإسلام ولم تكن تعرف في زمن الصحابة ولا التابعين وإنما حدث عملها بعد الأربعمائة من سني الهجرة (كذا) وأول من حفظ عنه أنه بنى مدرسة في الإسلام أهل نيسابور فبنيت بها المدرسة البيهقية.. وأول مدرسة أحدثت في ديار المدرسة الناصرية نسبة غلى السلطان الناصر صلاح الدين سيف".
الفصل الثاني عشر
العادات النصرانية بين عرب الجاهلية وفي أول الإسلام
قد شاعت في جزيرة العرب في عهد الجاهلية وأوائل الإسلام عادات لا يمكن تعليلها إلا بنفوذ النصرانية واندماجها في القبائل العربية، فمن هذه العادات ما هو ديني بحت، ومنها ما هو شرعي وبعضها مدني واجتماعي، فها نحن نتتبع هذه الأقسام الثلثة بالتوالي.
1 العادات الدينية
(الصلاة) هي في مقدمة الواجبات الدينية بها يرتفع الإنسان عن حضيض عالمه هذا الهيولي إلى ربه وخالقه ليسجد له ويشكره ويستغفره من ذنوبه ويلتمس نعمه، على أن أهل البداية كانوا في كل أطوار تاريخهم قلما يكترثون لهذه الفريضة كأن لسان حالهم يقول مع أحدهم:
لا لصلّي (نصلّي) ولا لصوم (نصوم) ... ولا لذكر (نذكر) رَّبنا حماَّ (لمَّا) لقوم (تقوم)
فلما دخلت النصرانية بينهم ألفت القبائل المنتصرة الصلاة والدعاء إلى الله كما يلوح من عدد الكنائس التي كان النصارى أقاموها في جهات العرب وكما بينا في القسم الأول من كتابنا بشواهد مختلفة رويناها عن كل ناحية من جزيرة العرب.
ولما ظهر الإسلام فرض صاحبه على تبعته خمس صلوات في النهار فاستعار ذلك مما وجده شائعاً بين الرهبان الذين كانوا يقيمون صلواتهم السبع في خمس قومات من النهار والليل، جاء في نقائض جرير والفرزدق (ص525) عن صلوات النصارى: "وكانت أخص صلواتهم خمساً قال الفرزدق يذكر عجوزاً من بني جعفر عاذت بابيه غالب:
عجوزٌ تصلّي الخمس عاذت بغالبٍ ... فلا والذي عاذت بهِ لا أضيرها"
وأخص صلوات المسلمين في طرفي النهار حين يصحبون وحين يمسون (سورة هود ع116 وسورة الروم ع17) وهكذا كان رهبان جزيرة العرب يبكرون إلى الصلاة ويواظبون عليها في ليلهم، قال مجنون ليلى:
كأنَّهُ راهبٌ في رأس صومعةٍ ... يتلو الزَّبور ونجم الصبحِ ما طلعا
وقال الآخر (اللسان 14: 89) :
عن راهبٍ متبتّلٍ ... صادي النهارَ ليلهِ متهجّدِ
ومن سنن الإسلام (الوضوء) والاغتسال قبل الصلاة، وهي عادة كان سبق إليها نصارى الشرق فتجدها في قوانينهم القديمة، ففي كتاب الأيثيقون أي الآداب لأبي الفرج ابن العبري باب وهو الثالث من مقالته الثالثة قسمه إلى عشرة فصول بحث فيها عن طهارة الجسد وأحكامها وشروطها كما كانت شائعة في كنائس ملته اليعقوبية.
وذكر الأحواض التي كانت في ساحات الكنائس لإتمام فريضة الوضوء، وقد وصف حضرة الخوري إبراهيم حرفوش في المشرق (6 [1903] : 116 123) أحد مخطوطات دير مار شليطا القديمة وفيه قوانين جارية في الإعصار السالفة في 51 باباً ورد في إحدى صفحاته (ص108) شروط الصلاة وحدودها على هذه الصورة.
"فاما حدودها (أي الصلاة) وشروطها فإنها تحتاج في أول شيء إلى الطهارة وهو الاغتسال بالماء في إثر الحدث، فإن لم يجد الماء فليتجمر بثلاثة حجار وما زاد عليها ينفي إثر النجوى ثم غسل اليدين وغسل الوجه برسم الصليب المحيي ويستحب أيضاً غسل الرجلين في كل غداة، فاما من لم يحدث فلا يحتاج إلى الاستنجاء بل يستحب منه غسل اليدين والوجه وغاية الغسل أن يعم الماء العضو الذي يغسله وعوماً كاملاً الخ، (ثم يليه فصل في الاغتسال من الجناية غسلاً عاماً.. مع الاعتراف إلى الكاهن وقبول صلاة الاستغفار) ".
نام کتاب : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية نویسنده : لويس شيخو جلد : 1 صفحه : 182