نام کتاب : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية نویسنده : لويس شيخو جلد : 1 صفحه : 175
ومما يدل على اتساع فن الحدادة بين نصارى العرب وفرة أسلحة ملوك الحيرة فقد ذكر أبو الفرج في الأغاني (20: 132) أن النعمان بن المنذر لما خاف كسرى وحاول الفرار من وجهه استودع ماله هانئ بن مسعود الشيباني وكان في جملة وديعته "ألف شكة ويقال أربعة آلاف شكة والشكة السلاح كله". وكان للنعمان بن المنذر كتائب مدججة بالأسلحة الحيرية أخصها كتيبتاه الشهباء والدوسر. وذكر ابن خلدون في تاريخه (2: 180) : "الباهوت مسلحة كسرى في الحيرة".
وكانت في بصرى أيضاً في حوران مصانع أسلحة مشهورة. قال الحصين بن الحمام يذكر عمرو بن هند ملك الحيرة المعروف بالمحرق (شرح المفضليات ص108 ed. Lyall,) :
عليهنَّ فتيانٌ كساهمْ محرّقٌ ... وكان إذا يكسو أجاد وأكرما
صفائحَ بصرى أخلصتْها قيونها ... ومطّرداً من نسج داود مبهما
يهزّون سمراً من رماح ردينةٍ ... إذا حرّكت بضّت عواملها دما
وكانوا يطبعون أسلحتهم ويرسمون عليا النقوش والتماثيل فكان على سيف الحارث بن ظالم صورة حيتين وأنشد (شرح المفضليات ص616) :
علوتُ بذي الحيّات مفرِقَ رأسه ... وهل يركبُ المكروه إلا الأكارمِ
أراد بذي الحيّات سيفه لما كان عليه من تمثال الحيات. وذكر الآخر سيفاً صورة سمكة فعرف بذي النون ومر ذكره:
ويخبرهُ مكانُ النونِ مني ... وما أعطيتهُ عرقَ الخلالِ
(التجارة) قد اشتهر العرب منذ القديم بالتجارة كما ورد ذلك في سفر التكوين (37: 25) في قصة يوسف الحسن الذي باعه إخوانه للإسمعيليين المنحدرين بتجارتهم إلى مصر. على أن هذه التجارة راجت أسواقها بعد المسيح بهمة الأمم النصرانية المجاورة للعرب لاسيما الرومان والحبش. وقد سبق لنا (ص57) ذكر الوفد الذي أرسله إلى الحميريين الملك قسطنسيوس ابن قسطنطين الكبير لعقد معاهدة تجارية مع ملكهم. وذكرنا هناك أيضاً ما ورد في الدستور التيودوسي لثاودوسيوس الكبير بخصوص متاجرة الرومان والحبشة مع العرب.
وقد اشتهر نصارى الحيرة بالتجارة. وقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني (الأغاني 20: 134) لطيمتهم قال: "وهي عير كانت تخرج من العراق فيها البر والعطر والألطاف يرسلونها إلى اليمن". وقال في التاج (9: 60) : "اللّطيمة وعاء المسك أو سوقه وقيل كل سوق يجلب إليها غير ما يؤكل من حر الطيب والمتاع غير الميرة".
وكانت قريش في الجاهلية ترتزق بالتجارة وربما رحلوا إلى الحيرة. وقد ذكر في الأغاني (8: 48_49) خروج مسافر بن أبي عمرو بن أمية من سادة قريش وأبي سفيان بن حرب إلى الحيرة لأمورهم التجارية. وقال الثعالبي في لطائف المعارف (ص 7_8ed. De Jong,) أن هاشماً وهو عمرو بن عبد مناف كان "أول من سن الرحلتين في التجارة رحلة الشتاء والصيف وهو أول من خرج إلى الشام من قريش ووفد على الملوك وأبعد في السفر ومر بالأعداء وأخذ منهم الإيلاف الذي ذكره الله تعالى" يشير إلى سورة قريش (106: 1_2) حيث يقول: (لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشّتَآءِ وَالصّيْفِ) . قالوا الإيلاف العهد والذمام قال الفيروزأبادي: "الإيلاف شبه الإجازة بالخفارة وأول من أخذها هاشم من ملك الشام". وورد في تفاسير القرآن أن أصحاب الإيلاف كانوا أربعة أخوة هوم بنو عبد مناف أولهم هاشم وكان يؤالف ملك الشام باع منه خيلاً فسمح له أن يتاجر في الشام. والثاني عبد شمس وكان يؤالف إلى الحبشة. والثالث المطلب وكان يرحل إلى اليمن. والرابع نوفل وكان يرحل إلى فارس وكان هؤلاء يسمون المتجرين. وقال فيهم الشاعر:
يا أيها الرجلُ المحوّلَ رحلهُ ... هلاّ نزلتَ بآل عبد منافِ
الآخذون العهدَ من آفاقها ... والراحلون لرحلةِ الإيلافِ
والرائشون وليس يوجد رائش ... والقائلون هلمّ للأضيافِ
والخالطون غنيّهم بفقيرهم ... حتى يصير غنيّهم كالكافي
وقال الثعالبي في ثمار القلوب (ص9) : "أن قريش زهدوا في الغصوب فلم يبق لهم مكسبة سوى التجارة فضربوا في البلاد إلى قيصر بالروم والنجاشي بالحبشة والمقوقس بمصر بأجمعهم تجاراً خلطاء" وقالوا في الأغاني (8: 52) : "وكانت أرض الحبشة لقريش متجراً" وذكر هناك عمارة بن الوليد المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي وخروجهما إلى النجاشي في الجاهلية للاتجار.
نام کتاب : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية نویسنده : لويس شيخو جلد : 1 صفحه : 175