نام کتاب : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية نویسنده : لويس شيخو جلد : 1 صفحه : 174
وكان العرب يلتجئون إلى أهل الأرياف من الشام واليمن والعراق فيتخذون من نجاريهم العمد والأوتاد لخيامهم والحدوج لظعائنهم والرماح والقسي والسهام لسلاحهم لأن الخشب مادة لكل هذه كما بين ابن خلدون في مقدمته (2: 324) ولا تصير إلى الصورة الخاصة بها إلا بالصناعة والقائم على هذه الصناعة هو النجار. وقد بقي من أعمال النصارى الدالة على براعتهم في هذه الحرفة عدة آثار ترى في كنائس وأديرة أقباط الصعيد وطور سيناء والجزيرة ومنها ما تحول إلى جوامع ومنها المقاصير القديمة والشعاري والمشارب كان النصارى يهندسونها قديماً وصبر بعضها على آفات الدهر.
(الحدادة) كما النجارة كذلك الحدادة خدم بها نصارى اليمن والشام والبحرين قبائل عرب البادية. وكان الحداد يدعى في الجاهلية قيناً. والقيون عند العرب بنو أسد قيل أن من عمل الحديد منهم كان الهالك بن عمرو بن أسد بن خزيمة فدعي أيضاً الحداد هالكياً. وممن ورد ذكرهم في أوائل الإسلام من أرباب الحدادة خباب بن الأرث من نصارى بني تميم سبي من وطنه وبيع في مكة فحصل في خدمة نبي المسلمين والخلفاء الراشدين من بعده توفي سنة 37هـ (658م) .
وكان أكثر اتخاذ العرب للحديد لتهيئة آلات حربهم أعني السيوف والدروع ونصال الرماح والسهام والخوذ. أما السيوف فمن أكرمها وأشرفها المشرفيات المنسوبة إلى المشارف من قرى الشام. ومنها السيوف الحارية وهي التي كان يصنعها نصارى الحيرة في العراق. ومنها السريجيات وكانت سيوفاً منسوبة إلى قين يدعى سريجاً مصغر سرجيس. وفيها يقول العجّاج:
وبالسّريجيّات يخطفنَ القصرْ
وقد ذكروا سبعة من مشاهير السيوف زعموا أن بلقيس ملكة سبأ أهدتها إلى سليمان الحكيم وفي ذلك دلالة على أهل اليمن وهي ذو الفقار كان لمنبه بن حجاج فصار إلى نبي الإسلام ثم ذو النون والصمصامة كانا لعمرو بن معدي كرب ثم مخدم ورسوب كانا للحارث بن جبلة ملك غسان النصراني ثم ضرس الحمار وقيل ضرس العير أو ضرس البعير كان لعلقمة بن ذي قيفان الحميري ثم الكشوح ولم يذكروا صاحبه.
أم الدروع فما يدل على علاقتها بالنصارى وأهل الكتاب أن العرب ينسبون نسجها إلى داود وسليمان كما روينا سابقاً (راجع الصفحة 233 و 272_273) . وكل يعرف خير الدروع التي أودعها امرؤ القيس الكندي الشاعر النصراني عند السموءل (اطلب ديوان السموءل الذي نشرناه آنفاً ص8) . وقد عرف أيضاً أهل نجران بصناعة الدروع والدليل عليه أن محمداً صالحهم على ثلثين درعاً كما سبق. ومن دروع البحرين الردينيات نسبت إلى امرأة تدعى ردينة كانت تبيعها أو تصنعها. ومنها ما كان ينسج حلقتين وهي المضاعفة قالت الخنساء تصف لأمة أخيها صخر:
إذا تلأم في زغفٍ مضاعفةٍ ... وصارمٍ مثل لون الملح جرّادِ
أما نصال الرماح والسهام فزعم الثعالبي في لطائف المعارف (ص7 ed. De Jong,) "أن أول من عمل له سنان من حديد سيف ذو يزن الحميري وإليه نسبت الرماح اليزنية وإنما كانت أسنة العرب صياصئ البقر" والله أعلم وإنما يرجح الرأي بأن أصل النصال من اليمن ومن الأمم النصرانية المجاورة للعرب. وقد امتازت بين الرماح العربية السمهريات نسبة إلى سمهر اسم رجل قيل أنه زوج ردينة ورفيقها في الحدادة. ومنها الخطيات وهي رماح كانوا يستجلبونها من الخط وهو مرفأ للسفن في البحرين وعمان. وكذلك السهام الصاعدية منسوبة إلى قرية صعدة في اليمن على غير قياس.
واتخذوا أيضاً من حديد الجواشن ومثلها الخوذ يقنعون بها رؤوسهم تعلموها من الروم والفرس وهي البيض. ثم انتشر استعمالها في بلاد الإسلام حتى أنهم أحصوا ما في خزانة السفاح أول خلفاء بني العباس فوجدوا خمسين ألف درع وخمسين ألف سيف وثلثين ألف جوشن ومائة ألف رمح. وزادت على ذلك في أيام هارون الرشيد فأحصاها الفضل بن الربيع فوجد عشرة آلاف سيف محلاة بالذهب وخمسين ألفاً للشاكرية والغلمان ومائة وخمسين ألف رمح ومائة ألف قوس وألف درع خاصة محلاة وألف درع عامة وعشرين ألف بيضة وعشرين ألف جوشن ومائة وخمسين ألف ترس وأربعة آلاف سرج عامة (مطالع البدور للغزولي 2: 162) .
نام کتاب : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية نویسنده : لويس شيخو جلد : 1 صفحه : 174