غيره لكان أيضاً موجوداً ولو كان دونه لكان أيضاً موجوداً. فعلى هذا كما تراءى للعين، أوثبت للحس، أو انتصب للنفس، أو تحقق بالعقل، من غير فرض ولا توهم ولا وضع، فهو موجود إما بالقوة وإما بالفعل.
قيل له: فما الغنى؟
قال: صورة العقل بالحس المتناهى، مطلوب بكل غاية، محفوظ بكل رعاية، مؤثر بكل إيثار، مختار بكل اختيار، غاية كل طالب، ويقين كل شاك، وسكون كل قلق، وراحة كل متحيز، بسيط العقل، مركب بالحس، مظنون بالظن، موهوم بالوهم، نظام كل موجود، وقوام كل محدود، وتمام كل مشهود. ثم قالف: ومن عجائبه أن من حاول إظهار باطل لا يستطيعه ولا يقدر عليه ولا يتمكن منه بوجه ولا بسبب حتى يشوبه به أو بشيء منه، لا يقبل وهو صرف، ولا ينقاد وهو بحت. هذا يدل على أن هذا العالم الذي هو في هيئته باطل لكونه وفساده، ومفتقر إلى ذلك العالم الذي هو في حقيقته حق لصحته وتمامه، واستقامته والتئامه، ولأنه لا طريق للكون والفساد إليه. هذا إذا كان المبطل قاصداً الباطل باختياره وحوله وقد يكون الإنسان على غيرهذا الرأي تبأن يقصد الحق المحض والصواب المجرد فلا يبلغ أيضاً غاية مراده إلا بشيء يخلص إليه من غير أن يستصحبه أو يريده أو يرومه. وهذا لأن الناظر في الحق الطالب للحق، ممزوج مركب ومشوب مخلط، لا يكمل له شيء من حظيرة العقل الإنسي يلتبس به من ناحية الحس، وهو في الأصل متهيء لقبول ذلك. لأن معجون طينته ومركب نصابه وأول سوسه هكذا وقع وعليه استمر، ولهذا يعينه بالتكثر عليه أسهل من التوحد، والتوحد عليه أعسر من التكثر. ومن له بالبراءة من هذه الحال، وتقديس نفسه من هذا الدنس، وهو ذو أنفس ثلاث: ناطقة هو بها أقل، وبهيمة هو بهتا أكثر، وسبعية هو بها أظهر؟ وهذا الإعتبار يقتضي أن يكون بالأكثر أكثر، وبالأقل أقل. ولما اتفق بالعرض أن