وينطق بلسانه ويهم بقلبه ويتصرف على إرادته وكلاهما على رتبة واحدة ف يالحد الذي وصفت في الصديق، فإن أوجبت على أحدهما طاعة الآخر والإقتداء به فهذا خلاف الصداقة التي تقدم حالها، لأن هذهالحال بالعالم والمتعلم أشبه وبالتابع والمتبوع أشكل.
فقلت له: فعلى هذا فائدة هذا الحد؟ ولم قال الفيلسوف شيئاً لا حقيقة له ولا دلالة عليه ولا يوجد في الشاهد أصله؟ فقال: قد قصد بهذا الحد المبالغة في الحس على توخي الصديق لصديقه حالاً لا يكاد يفصل بينهما في إرادة وإيثار وقصد ومحبة وكراهية ومرضاة، فإن هذا الحد إذا لحظ أفقه العلي سلك إليه بالهمة الشريفة والعزيمة التامة والجد البليغ والإجتهاد المستخرج للوسع، فيكون لك داعية إلى الغاية التي كلما قرب منها كانت الحال أعني الصداقة إلى الحقيقة أقرب، وعليها أشمل، وبشرائطها أجمع، وعما يخالف هذه الصفات أبعد. ثم قال: وكيف يصح هذا الحد في الشاهد والحس، والإنسان إن كان وحده لا يلائم نفسه ولا يوافق أبداً رأيه، ولعله يترجح وينكفئ في كل يوم، بل في كل ساعة مراراً كثيرة مثل أبي براقش كل لون لونه يتخيل.
وقال أيضاً: إن الإنسان وإن كان واحداً بوجه فإنه كثير بوجه آخر فالكثرة التي حالت بينه وبين صديقه في جمهور أحواله، فلولا التفرق الذي فيه والكحثرة التي تتوزعه، ما كنت تجد إنساناً إلا على هيئة واحدة وشكل واحد، أعني أنك كنت تجده أبداً إماطلق الوجه، ومبتسم الثغر سهل الخلق، ناشئ الخلق، جواداً بالمال، عسر المرام، بعيد المنال، مولعاً بالخلاف، أو فيما بين هـ1ه الأضداد بالزيادة والنقصان والإنحراف والإعتدال. فلما وجدته على أحوال مختلفة وأشكال مفترقة وأخلاق لا تتلائم ولا تتلاحم