المقابسة الثامنة والتسعون
في المعاد وهل هو حق أو تواطؤ من الأقدمين؟!
حضرت القومسي أبا بكر المتفلسف، وكتب لنصر الدولة عامين، وكان كثير الفضل فقيل له: هل يجوز أن يكون إثبات الناس للمعاد والمنقلب اصطلاحاً منهم ومن أكابرهم وعقلائهم في بدء الناس وسالف الزمان، ثم ألف الناس ذلك وهتفوا بنشرة ولهجوا بذكره، مع تأكيد الشرائع وتأييد الكتب الناطقة به؟
فقال: المعاد أثبت في أنفس الناس وأرسخ في عقولهم وأعلق بأذهانهم من أن يكون أصله راجعاً إلى التواطؤ والتشاعر، ومردوداً إلى الإصطلاح والتناد! وهذا ظن بهرج، ورأي فائل، وعقل مغرور، وقول رذل من خلط فاسد ومزاج مؤف. وهلا وقع الاصطلاح على دفعه وإبطاله وأنه لا حقيقة له ولا دليل عليه؟ ولم لم ترد الكتب باحالته وبنفيه وصرف الظنون عنه ومنع الخلق اعتقاد صحته؟ ولم لم يعرض في إبطاله وترك الإيمان به أرب ومراد وبغية وسبب والناس من جهة الحواس والشهوات وحب العاجلة ونيل اللذة أكثر نظراً وأقوى وأنفذ عزماً وأشد انقياداً وأسرع ارتكاباً وأثقل احتقاباً وأبين سماعاً وأقرب نزاعاً؟ ولكن العقول أبت ذلك إباء ظاهراً ودعت إلى إثبات الثواب والعقاب في الثاني دعوة مشهورة متصلة على اختلاف لغات أربابها وتباين إشارات المخبرين بها، ولم تكن هذه الدعوة عن قسر وتمويه، ولا حيلة ولا مكر، بل دعوة وتحقيق وإيضاح وبينة وإفصاح! وكيف يسع عاقل يظن أن الناس على ماهم عليه في أديانهم