الظهر أن خلقته شبيهة بالهضبة العالية والرابية المرتفعة، وأخبر الذي مس أذنه أنه منبسط دقيق يطويه ونشره. فكل واحد منهم قد أدى بعض ما أدرك، وكل ما يكذب صاحبه ويدعي عليه الخطأ والغلط والجهل فيما يصفه من خلق الفيل. فانظر إلى الصدق كيف جمعهم، وانظر إلى الكذب والخطأ كيف دخل عليهم حتى فرقهم؟
وكان يقول، أعني أبا سليمان: هذا مثل يشتمل على نكت حسنة مفهومة لا خفاء بها عند من سمعها بتحصيل، ويؤيدها ببيان. قال: ولهذا لا تجد عاقلاً في مذهب يقول شيئاً إلا وهناك ما قد اقتضاه ذلك بحسب نظره السابق إلى قلبه، والملائم لطبعه، والموافق لهواه، ولكن البارع المتسع المحصل له المزيد في السبق والغلج بالتدبير.
المقابسة الخامسة والستون
في نوادر مفيدة في الفلسفة العالية
هذه مقابسة نذكر فيها نوادر سمعناها في الفلسفة العالية من أبي سليمان مفيدة، وإذا وهب الله نشاطاً وتمكيناً عدنا إلى نظائرهن فرويناهن فإنها كثيرة نافعة غريبة.
سمعته يقول: نزلت الحكمة على رؤوس الروم، وألسن العرب، وقلوب الفرس، وأيدي الصين.
وقال أيضاً: إنما يخرج الزبد من اللبن بالمخض، وإنما تظهر النار من الحجر بالقدح، وإنما تستبان النجابة من الإنسان بالتعليم، والمعدن لا يعطيك ما فيه إلا بالكدح، والغاية لا تبلغها إلا بالقصد. ومن نشأ بالراحة الحسية فاتته الراحة العقلية، والعاجلة تتصرم والآجلة تدوم.