المقابسة الأربعون
في أن العلم حياة الحي في حياته
والجهل موت الحي في حياته
قال أبو بكر الصيمري، لجماعة عنده ونحن في طاق الخواني في الوراقين وقد ذهب به القول في كل عروض، وجذبه إلى كل باب: العلم حياة الحي في حياته، والجهل موت الحي في حياته، فإذا كان الجاهل ميتاً في حياته فماذا ترى يكون بعد مماته؟ وإذا كان العلم حياة الحي في حياته فلا شك أنه يكون حياة له بعد وفاته.
ثم قال: العلوم الآلهية في السر لأنه بساط العمل الصالح، والحق المعتقد، والخلق الطاهر، والطاعة الحسنة، والراحة في المعاقبة، ومن عري من العلم ولزم العمل، كان كخابط عشواء، ما يفوته أكثر مما يجده، وما يفسده أكثر مما يصلحه؛ ومن لزم العلم وخلا من العمل، كان كلابس ثوبي زور. والعلم فنون، وأشرفه معرفة الحق الأول، والعلم قوام المعقول، والعمل قوام المحسوس، ولولا المحس لا ستغنى عن العمل، لأن العمل إنما هو رياضة النفسين اللتين تعاندان النفس الناطقة، أعني الشهوية والغاضبة، فأما العلم فهو كله في تقديس المعقول بالعقل والتشوق إليه، وطلب الاتصال به، والفرق في بحره، والوصول إلى وحدته، والعمل مقوم للقوى التي تريع كثيراً بالزيادة والنقصان، وبالخمود والهيجان؛ والعلم مبلغ إلى الغاية التي لا مطلوب ورائها، والعمل مهيئ لك نحو المسلك إلى سعادتك، والعلم مشرف بك على سعادتك، والعمل يوصل، والعلم وصول، والعمل حق عليك لا بد من أدائه، والعلم حق لك لا بد لك من اقتضائه والعلم كله نور