نام کتاب : الفن ومذاهبه في الشعر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 106
تُدار علينا الرَّاح في عَسْجَدِيَّةٍ ... حَبَتْهَا بألوانِ التصاوير فارسُ1
قراراتُها كسرى وفي جَنباتها ... مَهًا تَدَّريها بالقِسيِّ الفوارس
فللخمر ما زُرَّتْ عليه جُيوبها ... وللماء ما دارت عليه القلانس
والذكرى تعبق بنفسه لتلك الدار فيصفها على طريقة وصف المحبين لأطلال محبوباتهم وما بقى من آثار ديارهن؛ فيقول إن ندامى انصرفوا عنها ولا يزال فيها من آثارهم أضغاث ريحان رطبة ويابسة، ولا يزال بها علامات جَرِّ الزقاق. وقد عاج بها مع صحبه فقضى حقها من الوقوف بها، بل من المكث خمسة أيام يقصف ويشرب وينتشي. ويصف الكأس التي كانوا يتداولونها ويقول إنها كأس ذهبية رُسمت عليها تصاوير فارسية، تمثِّل كسرى في صيده مع فوارسه. وكانوا يصبون فيها الخمر حتى تبلغ أطواق الثياب، ثم يضيفون الماء حتى يدور بالقلانس. وانظرْ إلى هذه الأبيات التي يقولها في إحدى خمرياته4:
صفراءُ لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مَسَّها حَجَرٌ مَسَّتْه سَرَّاءُ
رقَّتْ عن الماء حتى ما يلائمها ... لطافةً وجفا عن شكلها الماء
فلو مزجت بها نورًا لمازجَها ... حتى تولَّد أنوار وأضواء
دارت على فتية دان الزمان لهم ... فما يصيبهم إلا بما شاءوا
فَقُل لمن يدَّعي في العلم فلسفةً ... حفظت شيئًا وغابت عنك أشياءُ
فإنك تحس عمق لذة أبي نواس بالخمر، حتى لتصبح هذه اللذة فلسفة له في الحياة، بل إنه ليزعم لأصحاب الفلسفة الكلامية من أمثال النظَّام أنه ينقصهم جزء مهم من فلسفتهم، هو فلسفة الخمر أو هو فلسفة اللذة والنشوة بها. وذهب يُعْلِنُ هذه الفلسفة، ويعلن معها استخفافًا بالدين وعقائده التي تحرِّمها وتحرم معها جملة الآثام التي كان يرتكبها على نحو ما نرى في قوله5:
وخذها إن أردت لذيذَ عيشٍ ... ولا تَعْدِلْ خليلي بالْمُدَامِ
1 عسجدية: كأس ذهبية.
2 المها: البقر الوحشي. تدريها: تخاتلها.
3 الجيوب: أطواق القمصان والثياب.
4 الديوان ص234.
5 الديوان ص327.
نام کتاب : الفن ومذاهبه في الشعر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 106