نام کتاب : الفن ومذاهبه في الشعر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 100
ولم تقف الشعوبية عند ذلك فقد كان الشعراء من العجم يتعصبون للوزراء منهم حين يَلون الحكم، وكان هؤلاء يغدقون عليهم في العطاء، كما كانوا يغدقون على الشعراء من العرب حين يمدحونهم، وقلما وجد في عصر الرشيد شاعر لم يمدح البرامكة، وتنبه زعماء العرب للفكرة؛ فكانوا يجزلون للشعراء في عطاياهم، ومدائح مروان بن أبي حفصة في معن بن زائدة مشهورة، وكذلك مدائح على بن جبلة في أبي دُلَف العجلي وحميد الطوسي. وقد جذبوا بنوالهم كثيرين من شعراء الفرس، ومدائح مسلم بن الوليد في يزيد بن مَزْيد تدور على كل لسان. وقلْ ذلك نفسه في الخلفاء، فقد كان بأيديهم خزائن الدولة، فملئوا منها حجور الشعراء، وكان ذلك باعثًا في تجويد الشعراء لمدائحهم ومراثيهم حتى أتوا فيها بالعجب العجاب.
اللهو والمجون
لعل مجتمعًا عربيًّا لم يعرف اللهو والمجون كما عرفها المجتمع العباسي في القرنين الثاني والثالث، فقد غرق الناس في الكوفة والبصرة وبغداد إلى آذانهم في الحضارة الفارسية المادية وما يُطْوَى فيها من غناء وخمر. وحقًّا بدأت طلائع ذلك في أواخر العصر الأموي حين ظهر الوليد بن يزيد وحين أخذت الكوفة تسرف على نفسها في اللهو وما يتبعه؛ لكن ذلك لا يقاس في شيء إلى ما كان في العصر العباسي الذي شعر فيه الفرس بحريتهم، حتى لتأخذ شكل ثورة عاصفة على جميع التقاليد العربية. ومضى أبناء هذه الثورة يعبُّون من كئوس اللهو والخمر حتى الثمالة، وانتشرت دورهما في كل مكان، ولم تكن تزخر بالخمر والغناء وحدهما، بل كانت تزخر أيضًا بالقيان والغلمان.
وساعد في اتساع هذه الموجة شيئان: ظهور مذاهب شاكّة بلبلت الأفكار وعلى رأسها مذاهب الزنادقة والدهريين، ثم انتشار دور القيان، التي كانت تعرضهن
للبيع، وكانت تثقفهن وتؤدبهن وتعلمهن الغناء، ومر بنا في الفصل السابق تفصيل الحديث عن هذه الحركة وأثرها في الشعر ومعانيه وأوزانه. وهي لم تقف
نام کتاب : الفن ومذاهبه في الشعر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 100