responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : العقد المفصل نویسنده : الحلي، حيدر    جلد : 1  صفحه : 87
هذا خلاصة ما أردنا إيراده من محاسن براعة المطلع ومقابح الإبتداء، وما وقع من الهفوات في أثناء قصائد الشعراء، وهي كثيرة يلزم من الوقوف على جميعها الخروج عمّا نحن فيه، وهذا القدر كاف في التنبيه لمن له لبّ وذهن.
وأمّا التخلّص ويُسمّى حسن التخلّص، وبراعة التخلّص وحقيقته: الخروج من كلام إلى كلام آخر غيره بلطيفة تلايم بين الكلام الذي خرج منه والكلام الذي خرج إليه، فإن كان الخروج بغير لطيفة وبغير مناسبة تربط بين الكلامين فهو الإقتضاب ويُسمّى الإقتطاع والإرتجال أيضاً وهو أن ينتقل الناثر والناظم ممّا ابتدء به الكلام إلى ما لا يالائمه، وهذا مذهب الجاهليين والمخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام مثل لبيد وحسّان، وبعض الإسلاميّين جرى على منهاجهم في ذلك كأبي تمام وغالب شعر البحتري وغالب شعر أبي نؤاس، فممّا جاء لأبي نؤاس قوله في مدح الأمين:
يا كثير النوح في الدمن ... لا عليها بل على السكن
سنّة العشّاق واحدة ... فإذا أحببت فاستنن
ظنَّ بي من قد كلّفت به ... فهو يجفوني على الظنن
نام لا يعنيه ما لقيت ... عين ممنوع من الوسن
رشأ لولا ملاحته ... خلت الدنيا من الفتن
ما بدا إلاّ استرقّ له ... حسنه عبداً بلا ثمن
فاسقني كأساً على عذب ... كرهت مسموعه أُذني
من كميت اللون صافية ... خير ما سلسلت في بدن
ما استقرّت في فؤاد فتى ... قد رأى ما لوعة الحزن
مزجت من صوب غادية ... حلبته الريح من مزن
تضحك الدنيا إلى ملك ... قام بالآثار والسنن
فهو كما ترى انتقل من وصف الخمرة إلى المديح من غير لطيفة ولا مناسبة تلايم بينهما.
ولأبي عبادة البحتري من قصيدة:
سقاني الفهوة السلسل ... شبيه الرشأ الأكحل
مزجت الراح من فيه ... بمثل الراح أو أفضل
إلى أن قال فيها:
فلمّاسرّت الراح ... به سمح واسترسل
وقطع التكّة الرأي ... إذا التكّة لم تحلل
جزى الله أبا نوح ... جزاء المنعم المفضل
وهذا كما تراه قد انتقل من وصف محبوبه إلى الدعاء لممدوحه بغير لطيفة ولا مناسبة.
وأمّا حسن التخلّص الذي نحن بصدده فقد ولع به المتأخّرون فأبدعوا فيه وجاؤوا منه بكلّ غريب، ونحن نذكر من ذلك ما يدلّ على صدق الدعوى.
قال أبو نؤاس يمدح الخصيب صاحب مصر:
تقول التي من بيتها خفَّ محملي ... يعزُّ علينا أن نراك تسير
أما دون مصر للغنا متطلّب ... بلى إنّ أسباب الغنا لكثير
فقلت لها واستعجلتها بوادرٌ ... جرت فجرى في أثرهنّ عبير
دعيني أكثر حاسديك برحلة ... إلى بلد فيه الخصيب أمير
إذا لم تطأ أرض الخصيب ركائبي ... فأيُّ فتىً بعد الخصيب تزور
فتىً يشتري حسن الثناء بماله ... ويعلم أنّ الدائرات تدور
فما جازه جود ولا حلَّ دونه ... ولكن يسير الجود حيث يسير
وهذه القصيدة من طنانات أبي نؤاس، وقد عارضها أحمد بن درّاج القصطلي بقصيدة إن لم تزد عليها في البلاغة فما تنقص عنها، وأمّا ابن فضل الله فقد حكم لها بالمزيّة على قصيدة أبي نؤاس، فمنها قوله:
ألم تعلمي أنّ الثواء هو التوى ... وإنّ بيوت العاجزين قبور
تخوّفني طول السفار وإنّه ... لتقبيل كفّ العامريّ سفير
دعيني أرد ماء المفاوز آجناً ... إلى حيث ماء المكرمات نمير
فإنّ خطيرات المهامة ضمّنٌ ... لراكبها إنّ الجزاء خطير
ولمّا تدانت للوداع وقد هفا ... بصبري منها أنّةٌ وزفير
تناشدني عقد المودّة في الهوى ... وفي المهد مبغوم النداء صغير
عييٌ بمرجوع الخطاب ولحظه ... بموقع أهواء النفوس خبير
فكلّ مفدات الترائب مرضع ... وكلّ محيّات المحاسن ضير
عصيت شفيع النفس فيه وقادني ... رواح لتدءآب السرى وبكور
وطار جناح العيس بي وهفت بها ... جوانح من ذعر الفراق تطير
لئن ودّعت منّي غيوراً فإنّني ... على عزمتي من شجوها لغيور
ولو شاهدتني والهواجر تلتظي ... عَلَيَّ ورقراق السراب يمور
أُسلّط حرَّ الهاجرات إذا سطا ... عَلَيّ حرّ وجهي والأصيل هجير

نام کتاب : العقد المفصل نویسنده : الحلي، حيدر    جلد : 1  صفحه : 87
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست