وكنتُ أرى أن قدْ تناهى بيَ الهوَى ... إلى غايةٍ ما بعدها ليَ مذهَبُ
فلمَّا تفرَّقنا تذكَّرْتُ ما مضى ... فأيقنتُ أنِّي إنَّما كنتُ ألعبُ
فقدْ والَّذي لو شاءَ لم يخلُقِ النَّوى ... عُرضْتُ فما أدري إلى أينَ أذهبُ
وقال آخر:
وأخلَتْ فشطَّتْ عن مُقامي وخانني ... وما ... مِنْ ضنى الموتِ لا تُخلي
لقدْ غادرتْني لا صحيحاً لصحَّتي ... ولا راجياً بِراً ولا مُدركاً تبْلي
وقال آخر:
أغارَ علينا الدهرُ حتَّى كأنَّما ... يُطالبنا الدَّهرُ المغيرُ بأوتارِ
بتشتيتِ أُلاَّفٍ وتغريبِ منزلٍ ... وتفريقِ إخوانٍ وتقليبِ أوطارِ
وقدْ علمَ الدَّهرُ الخؤونُ بأنَّني ... أصولُ عليهِ صوْلةَ الأسدِ الضَّاري
وقال علي بن محمد العلوي الكوفي:
ولقدْ نظرْتُ إلى الفراقِ ولم أجد ... للموتِ لو فُقدَ الفراقُ سبيلا
يا ساعةَ البينِ انبري فكأنَّما ... واصلتِ ساعاتِ القيامةِ طولا
وقال الطائي:
يومَ الفراقِ لقدْ خُلقتَ طويلا ... لم تُبقِ لي صبراً ولا معقولا
لو حارَ من قادَ المنيَّةَ لمْ يُردْ ... إلاَّ الفراقَ علَى النُّفوسِ دليلا
قالوا الرَّحيلُ فما شككْتُ بأنَّها ... نفسي عنِ الدُّنيا تريدُ رحيلا
الصَّبرُ أجملُ غيرَ أنَّ تلذُّذاً ... في الحبِّ أحرى أن يكونَ جميلا
أتظنُّني أجدُ السَّبيلَ إلى العزا ... وجدَ الحِمامُ إذاً إليَّ سبيلا
ردُّ الجموحِ الصَّعبِ أسهلُ مطلباً ... من ردِّ دمعٍ قدْ أرادَ مسيلا
وقال أبو تمام:
نوًى كانقضاضِ النَّجمِ كانتْ نتيجةً ... منَ الهزلِ يوماً إنَّ هزْلَ الهوَى جِدُّ
فلا تحسِبا هنداً لها الغدرُ وحدها ... سجيَّةُ نفسٍ كلُّ غانيةٍ هنْدُ
وكمْ تحتَ أوراقِ الصَّبابةِ من فتًى ... منَ القومِ حُرٍّ دمعهُ للهوى عبدُ
محمَّدُ يا ابن الهيثمِ انقلبَتْ بنا ... نوًى خطأٌ في عقبها لوعةٌ عمْدُ
وحقدٌ منَ الأيَّامِ وهيَ قديرةٌ ... وشرُّ السَّجايا قُدرةٌ حازها حقدُ
وقال علي بن محمد العلوي:
أتْبعتهُمْ نفساً تَدْمى مسالكهُ ... كأنَّهُ من حِمى الأحشاءِ مقدودُ
ما زلتُ أعرفُ أيَّامي وأُنكرُها ... حتَّى انبرتْ وهيَ لا بيضٌ ولا سودُ
خاضتْ بيَ الشَّكَّ حتَّى قالَ قائلُها ... لا القربُ قرْبٌ ولا التَّبعيدُ تبعيدُ
وقال آخر:
لَعمري لئنْ شطَّتْ بعُتمةَ دارُها ... لقد كنتُ من وشكِ الفراقِ أُليحُ
أروحُ بهمٍّ ثمَّ أغدو بمثلهِ ... وتحسبُ أنِّي في الثِّيابِ صحيحُ
وقال آخر:
سنحَ الهوَى فكتمْتُ نفسي حاجةً ... بلغَ التَّجلُّدَ ذو العزاءِ الصَّابرِ
نهوى الخليطَ وإنْ أقمْنا بعدهُ ... إنَّ المقيمَ مكلَّفٌ بالسَّائرِ
وقال آخر:
وفي الجيرةِ الغادينَ من بطنِ وجْرةٍ ... غزالٌ أحمُّ المُقْلتينِ ربيبُ
فلا تحسبي أنَّ الغريبَ الَّذي نأى ... ولكنَّ مَنْ تنأيْنَ عنهُ غريبُ
وقال آخر:
تركْتِ بقلبي من فراقكِ لوعةً ... ستُتْلفُ ما أبقى وداعُكِ من نفسي
أروحُ وأغدو مُستكيناً كأنَّني ... أُراقبُ حتفي حينَ أُصبحُ أوْ أُمسي الباب السابع والعشرون
من غاب قرينهُ كثر حنينه
من شأن من غاب عن خليله أن تناله حيرةٌ في جميع أموره يصحو عنها ويرجع إليه تمييزه فمن كان المتناول له من تلك الحيرة والآخذ بعنانه من تلك الغمرة داعٍ من غلبات الاشتياق وناهٍ عن المقام في قبضة الفراق لم يتمالك عن أحبابه وقتاً من الأوقات ولم يتشاغل عنهم بضربٍ من اللذَّات ومن كان الآخذ بيده من تلك الغمرات والمتخلِّص بخواطره من تلك السَّكرات ضرباً من الاشتغال بغير تلك الحال سلا على مرِّ الأيَّام والليالي وما دام في تلك الحيرة فهو متشاغل بتذكُّر من فارقه والشَّوق والحنين إلى من خلَّفه ألم تسمع الَّذي يقول:
وإنَّ امرءاً في بلدةٍ نصفُ قلبهِ ... ونصفٌ بأُخرى غيرِها لصبورُ
وددْتُ من الشَّوقِ المُبرِّحِ أنَّني ... أُعارُ جناحَيْ طائرٍ فأطيرُ