لي خليلٌ قد لجَّ في الصَّرمِ جِدَّا ... وأعادَ الصُّدودَ منهُ وأبدى
ذو فنونٍ يُريكَ في كلِّ يومٍ ... خُلقاً منْ جفائهِ مُستجدَّا
يتأبَّى منعاً ويُنعِمُ إسْعا ... فاً ويدنو وصلاً ويُبعدُ صدَّا
أغْتدي راضياً وقد بتُّ غضبا ... نَ وأُمسي مولًى وأُصبحُ عبدا
أتراني مُستبدلاً بكَ ما عشْ ... تُ بديلاً أوْ واجداً منكَ نِدَّا
حاشَ لله أنتَ أفتنُ ألحا ... ظاً وأحلى شكلاً وأملحُ قدَّا
أما هذا الشعر فمن أضعف شيءٍ أعرف وذلك أنَّ صاحبه إنَّما استحسن صورةً وقدّاً فمتى تغيَّر حسنها أوْ رأى ما هو أحسن في عينه منها اتَّبعه وتركها على أنَّه مع افتقاره إلى خليله وعدمه لشكله ونظيره منتقلاً في هواه فمرَّةً يتسخَّط ومرَّةً يترضَّاه حتَّى يمسيَ مولًى ويصبح عبداً وهذه حالٌ خسيسة فإن كان لا بدَّ للمحبِّ من التَّباعد عن المحبوب فليكن ذلك ظاهراً في الأفعال غير معتقدٍ في القلوب.
كما قال عبد الله بن أبي الشيص:
إنْ لم أُرى بفناءِ بيتكِ واقفاً ... فالقلبُ مُحتبسٌ عليهِ وواقفُ
هذي الجفونُ فضمِّنيهنَّ الهوَى ... وثقي بهنَّ فإنَّهنَّ عفائفُ
لا يكتحلْنَ منَ الخدودِ بزهرةٍ ... حتَّى تعطَّفَ بي إليكِ عواطفُ
أنتِ الَّتي غمرَ الضَّمائرَ حُبُّها ... فلها التَّليدُ من الهوَى والطَّارفُ
وكأنَّ ليَ قلبينِ عندكِ واحدٌ ... دانٍ وآخرُ عنْ دياركِ عازفُ
وكما قال البحتري:
الدَّارُ تعلمُ أنَّ دمعي لم يغِضْ ... فأروحَ حاملَ منَّةٍ منْ مُسعدِ
ما كان لي جلَدٌ فيودي إنَّما ... أودى غَداةَ الظَّاعنينَ تجلُّدي
وكما قال بعض أهل هذا العصر:
لقد باعدْتَ عنكَ أخاً شقيقاً ... عليكَ فلا يغرُّكَ حسنُ صبري
فلوْ جُمعَ الأنامُ لكنتَ فرْداً ... أحبَّهمُ إليَّ بكلِّ سعْرِ
فلا تحسبْ رعاكَ الله أنِّي ... غدرْتُ ولا هممْتُ لكمْ بغدرِ
فوالله العظيمِ لوَ انَّ قلبي ... أحبَّ سواكَ لم أُسكنْهُ صدري
وأعظمُ ما أُلاقي منكَ أنِّي ... أدومُ علَى الوفاءِ ولستَ تدري
وهذا أتم من قول بشار:
أهِمُّ بأنْ أقولَ وددْتُ أنِّي ... سلوتُ فما يُطاوعني لِساني
لأنَّ بشاراً خبَّر أنَّه قد همَّ ثمَّ امتنع ومن لم يرد أن يقدر أتمُّ ممن أراد ذلك فلم يقدر وأنقص من بشار في هذه الحال.
أبو المنيع الحضرمي حيث يقول:
ألمْ ترني أزمعْتُ صرماً وهجرةً ... لِليلى فلمْ أسطعْ صدوداً ولا هجرا
وما مرَّ يومٌ دونها إنْ هجرتُها ... ولا ساعةٌ إلاَّ أجدَّ لها ذكرا
فيا عجبا من وصليَ الحبلَ كيْ يُرى ... جديداً وقدْ أمستْ علائقهُ بُترا
فإنْ تُصبحي بعدَ التَّجاوزِ والهوَى ... صددْتِ فقدْ غادرتِ في كبدي عقرا
والأحوص بن محمد حيث يقول:
أدعو إلى هجرها قلبي فيتبعُني ... حتَّى لقدْ قلتُ هذا صادقٌ نزَعا
قدْ زادهُ كلَفاً بالحبِّ أنْ مُنعتْ ... أحبُّ شيءٍ إلى الإنسانِ ما مُنعا
وكمْ دنيٍّ لها قدْ صرْتُ أتبعهُ ... ولو صحا القلبُ عنها كانَ لي تبعا
ومحمد بن بشير حيث يقول:
ولقدْ أردتُ الصَّبرَ عنكِ فعاقني ... علقٌ بقلبي منْ هواكِ قديمُ
يبقى علَى حدثِ الزَّمانِ وريْبِهِ ... وعلَى جفائكِ إنَّهُ لَكريمُ
وذو الرمة حيث يقول:
إذا قلتُ أسلو عنكِ ما ميُّ لم يزلْ ... محلٌّ لِداري من دياركِ ناكسُ
فكيف بميٍّ لا توآتيكَ دارُها ... ولا أنتَ طاوي الكشحِ عنها فيائسُ
وللبحتري:
وإذا هممْتُ بوصلٍ غيركِ ردَّني ... ولهٌ عليكِ وشافعٌ لكِ أوَّلُ
وأعِزُّ ثمَّ أزِلُّ ذلَّةَ عاشقٍ ... والحبُّ فيهِ تعزُّزٌ وتذلُّلُ
ولبعض أهل هذا العصر في هذا النحو وإن لم يكن على ذلك التمام في باب النقصان:
أيا حالفاً أنِّي علَى العهدِ ناكثٌ ... تأكَّدْ رعاكَ اللهُ أنَّكَ حانثُ
تجنَّيتَ مُذْ عامينِ ذنباً لَمَ اجنهِ ... عليكَ وهذا العامَ قدْ تمَّ ثالثُ
إذا عرضَتْ نفسي فقمْتُ بسلوةٍ ... أما ذاكَ إشفاقٌ قديمٌ وحادثُ