لو كانَ في الألفِ منهُم واحدٌ ... فدعوا من فارسٌ خالهم إيَّاه يَعنونا
قال امرؤ القيس:
يُضيء الفراشَ وجهها لضَجيعِها ... كمِصباح زيتٍ في قناديلِ ذُبَّالِ
فأخذه النابغة فقال:
وتخالُها في البيتِ إذ فاجأتَها ... قد كانَ مَحجوباً سراجَ المُوقدِ
ولم يصنع النابغة في هذه السرقة قليلاً ولا كثيراً إلاَّ أنَّه لم يزد في المعنى ولا نقص فليست له فضيلة الاختصار ولا فضيلة التوكيد بل عليه فضيلة السابق على المسبوق وعليه تبديل لفظ مستحسن إلى لفظ مستحسن.
وقال امرؤ القيس:
سأكسبُ مالاً أوْ تقوم نوائحٌ ... يقُل بها قَطر الدُّموع على قَبرِي
وقال عمرو بن قميئة:
ودعوتُ ربِّي بالسَّلامة جاهداً ... ليُعينني فإذا السَّلامةُ داءُ
فأخذه حميد بن ثور:
أرَى بَصَري قد رابني بعد صحَّةٍ ... وحسبُك داءً أن تَصِحَّ وتسْلَما
وقال علقمة بن عبدة:
يجود بنفسٍ لا يُجادُ بمثلها ... فأنت بها يوم اللقاء خَصيبُ
فأخذه مسلم بن الوليد:
يجود بالنَّفس إذْ ضن الجواد بها ... والجود بالنَّفس أقصى غاية الجود
قال الأحوص:
إنِّي إذا افتخر الرِّجال رأيتني ... كالشَّمس لا تَخْفى بكُل مكانِ
فأخذه ابن هرمة:
إذا خفي القومُ الكرامُ رأيتني ... مُقارنَ شمس في المجرَّةِ أو بدْرِ
الفصل الثاني ما استعاره الشعراء من الأمثال الجارية على ألسن البلغاء ومن الأمثال السائرة
قولهم من عَزَّ بَزَّ وللخنساء في نحو ذلك:
كأن لم يكونوا حِمًى يُتَّقى ... إذْ النَّاسُ إذْ ذاكَ من عَزَّ بَزّا
ومنها قولهم: يداك أوْكَتا وفوك نفخ. أخذه الكميت فقال:
قه لجواب ما قُلتم وأوكت ... أكفكمُ علَى ما تنفخونا
ومنها قولهم مكره أخوك لا بطل أخذه الكميت فقال:
لم يدر إلاَّ ارتجال الظنّ واصفهُ ... أمُكرهٌ هو في الهيجاء أوْ بطلُ الفصل الثالث ما استعانت به الشعراء من كلام الله تعالى
قال الله عز وجل) إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض (فأدخلته الخنساء فقالت:
أبعدَ ابن عمرو من آل الشّريد ... حلَّتْ به الأرضُ أثقالها
فخر الشّوامِخُ من فَقْدِه ... وزُلزلتِ الأرضُ زلزالها
وقال الله عز وجل) أولى لك فأولى (فأخذته الخنساء في هذه القصيدة:
هممتُ بنفسي بعضَ الهُموم ... فأوْلى لنفسيَ أولى لها
وقال جلّ ثناؤه) بل عجبت ويسخرون (فأخذ الكميت هذا المعنى:
يَعيبونني من جُبنِهم وضلالِهم ... علَى حُبكم بل يسخرون وأعجبُ
وقال جلّ ثناؤه) فخرج منها خائفاً يترقب (فأخذه الكميت فقال:
ألم تَرني من حُبِّ آل محمد ... أروح وأغدو خائفاً أترقّبُ
وقال الله عز وجل) أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (فأخذه الكميت فقال:
ألم يتدبَّر آيه فتدله ... علَى ترك ما يأتي أم القلبُ مُقفل
وقال الله عز وجل) يحسبون كل صيحة عليهم وهم العدو (فأخذه جرير فقال:
لا زلتَ تحسِبُ كل شيءٍ بعدهم ... خَيْلاً تكرُّ عليهم ورجالا
الباب الرابع والتسعون
ذكر
الخطأ في القول والأوزان
دون الخطأ في الإعراب والمعاني
فمن عيوب الشعراء المساندة والأكفاء والمزاحفة والأقواء والتضمين والإيطاء والخرم. فأمَّا المساندة فهي اختلاف الإعراب في أرداف القوافي مثل قول عمرو بن كلثوم:
إذا وضعت علَى الأبطالِ يوماً ... رأيتَ لها جلودَ القوم جُونا
كأنَّ غُضونهنَّ متونُ غدْرٍ ... تُصفِّقُها الرِّياح إذا جَرينا
فحرك الردف من البيت الأول وسكنه في البيت الثاني، وسبيل هذا الشعر أن يشاكل أرداف قوافيه في الإعراب ولا يضر أن يكون بعض أردافه ياءً وبعضها واواً ولا يجوز الألف بحال. وقال منصور النمري:
ما كانَ ولى أحمدُ والياً ... علَى عليٍّ فتولوا عليه
هل في رسول الله من أسوة ... له يقتدي القوم بما سنَّ فيه
وزعم قوم أن الإجارة أن تكون القوافي مقيدة فتختلف الأرداف كقول امرئ القيس:
لا وأبيك ابنةَ العامريِّ ... لا يدَّعي القومُ أنِّي أفِرْ