لا يوم أكبر منه منظراً حسناً ... والمشرفيَّة في هاماتهم تَخِدُ
أنهبت أرواحه الأرماح إذْ شرعت ... ما أن تُردُّ لغيب الدَّهر عنه يدُ
كأنها وهي في الأوداج والغةٌ ... وفي الكُلى تجدُ الغيظَ الَّذي نجدُ
من كلِّ أزرقَ نظّار بلا نظرٍ ... إلى المقاتلَ ما في متنه أوَدُ
كأنه كان تِربَ الحب مذ زمنٍ ... فليس يُعجزُه قلبٌ ولا كَبِدُ
إنَّ ابن يوسف نجّى الثغرَ من سنةٍ ... أعوامَ يوسفَ عيشٌ عندها رغَدُ
فأفخر فما من سماءٍ للندى رُفعتْ ... إلاَّ وأفعالك الحُسنى لها عَمدُ
واعذرْ حسودَك فيما قد خُصصت به ... إنَّ العُلى حسنُ في مثلها الحسدُ
وقال البحتري:
ركوبُ لأثباجِ المتالفِ عالمٌ ... بأنَّ المعالي دونهنَّ المهالك
مُطِلٌّ علَى الروح المنيع كأنه ... لصرف المنايا في النُّفوس مُشارك
فما تترك الأيَّام من هو آخذٌ ... ولا تأخذ الأيَّام من هو تارك
مَتَى يأتكَ المقدارُ لا تُدْعَ هالِكاً ... ولكن زمانٌ غال مثلك هالك
وقال أيضاً:
وقد جرَّبوا بالأمس منكَ عزيمةً ... فضلْتَ بها السيفَ الحُسام المُجرَّبا
غداةَ لقيتَ الميثَ والليثُ مُخْدِرٌ ... يُجرِّدُ ناباً للِّقاء ومِخْلَبا
فلم أرَ ضِرغامين أصدق منكما ... عِراكاً إذا الهيّابةُ النكس كذَّبا
هزبرٌ مشى يبغي هزبراً وأغلبٌ ... من القوم يغشى باسلَ الوجه أغلبا
أدلّ بشغب ثمَّ هالَتْهُ صوْلةٌ ... رآك لها أمضى جناباً وأشعبا
حملتَ عليه السَّيف لا عزمُك انثنى ... ولا يدُك ارتدَّتْ ولا حدَّه نبا
وكنتَ مَتَى تجمع يمينك تهتك ال ... ضَّريبةَ أوْ لا تُبق للسيف مضْربا
فاحْجَم لما لم يجد فيك مطمعاً ... وأقدمَ لما لم يجد عنك مهْربا
فلم يغله إن كرَّ نحوكَ مُقبلاً ... ولم يُنجه أن حاد عنك مُنكبّا
وقال أيضاً:
مُدبِّرُ حرب لم يبتْ عند غيره ... ولم يسر في أحشائه وَهَلُ الرعبِ
يُقلقله شوق إلى القرن مُعجلٌ ... لذي الطَّعَن حتَّى تستريحَ إلى الضربِ
أضاءت لنا الدُّنيا به بعد ظُلمةٍ ... وأجلَتْ لنا الأيَّام عن خُلق رطبِ
وما زال عبد الله يُكسي شمائلاً ... يقُمن مقام الروض في ناضر العشبِ
فتى يتعالى بالتواضع جاهداً ... ويُعجب من أهل المخيلة والعُجبِ
أمنتُ به حدَّ الزَّمان ففلَّهُ ... وقد يثلِمُ العضبُ المُهند في العضبِ
فلم أمل إلاَّ من مودته يدي ... ولا قُلتُ إلاَّ من مواهبه حَسبي
وقال النَّابغة الذّبياني:
يصونون أجساداً قديماً نعيمُها ... بخالصة الأردان خُضْرِ المناكبِ
ولا يحسبون الخير لا شرَّ بعدهُ ... ولا يحسبونَ الشرَّ ضربةَ لازبِ
ولا عيبَ فيهم غير أنَّ سيوفهم ... بهن فُلولُ من قِراع الكتائب
فهمْ يتساقَوْن المنيَّةَ بينهُمْ ... بأيديهم بيضُ رقاقُ المضاربِ
إذا استنزلوا عنهن للطعن أرقلوا ... إلى الضرب أرقالَ الجِمالِ المصاعبِ
قال وأنشدني أحمد بن أبي طاهر قال أنشدني أبو تمام:
يمدُّون بالبيض القواطع أيْدياً ... وهُنَّ سواءٌ والسّيوف القواطعُ
إذا أسروا لم يأسِر البغيُ عفوهم ... ولم يُمسِ عانٍ منهمُ وهو كانعُ
إذا أطلقوا عنه جوامعَ كيده ... تيقن أن المنَّ أيضاً جوامِعُ
الباب الخامس والستون
ذكر من وصف بصباحته ومدح بسماحته
قال النابغة الذبياني:
ألم ترَ أنَّ الله أعطاكَ سورَةً ... ترى كلَّ ملك دونها يتذبذبُ
بأنك شمسٌ والملوكُ كواكبٌ ... إذا ما بدت لم يبدُ منهن كوكبُ
وقال زياد الأعجم:
تراه إذا ما جئته مُتهلِّلاً ... كأنك مُعطيه الَّذي أنتَ سائلُهْ
كريم إذا ما جئت للعرف طالباً ... حباك بما تحنو عليه أنامله
ولو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجادَ بها فليتق الله سائله
وقال الحطيئة فيما أَرَى:
تزور امرأً يؤتى علَى الحمد ما لهُ ... ولم يعطِ أثمانَ المحامدِ تُحمَدِ