فقلتُ لها نحلْتُ وصارَ خطِّي ... مُساعدةً لصاحبهِ نحيلا
وقال آخر:
إنَّا منَ الحيِّ أقبلنا نؤُمُّكمُ ... أنضاءَ شوقٍ علَى أنضاءِ أسفارِ
والصَّبُّ لا بدَّ أن يُبدي صبابتهُ ... إذا تبدَّلَ غيرَ الدَّارِ بالدَّارِ
وهذا مأخوذ من قول امرئ القيس:
أكلَ الوجيفُ لحومهُمْ ولحومَها ... فأتوْكَ أنضاءً علَى أنضاءِ
وقال الأحوص:
نفى نَوْمي وأسهرني غليلُ ... وهمٌّ هاجَهُ حزنٌ طويلُ
وقالوا قد نحلْتَ وكنتَ جلْداً ... وأيسرُ ما مُنيتُ به النُّحولُ
فإنْ يكنِ العويلُ يردُّ شيئاً ... فقدْ أعولتُ إن نفعَ العويلُ
وكانتْ لا يُلائمُها مبيتٌ ... عليها إنْ عتبتُ ولا مقيلُ
وكنَّا في الصَّفاءِ كماءِ مزنٍ ... تُشابُ بهِ مُعتَّقةٌ شمولُ
وأُعجلُ عن سؤالِ الرَّكبِ صحبي ... وأكرهُ أن يقالَ لهمْ أقيلوا
فقدْ أصبحتُ بعدكِ لا أُبالي ... أسارَ الرَّكبُ أمْ طالَ النُّزولُ
فمنْ يكُ بالقُفولِ قريرَ عينٍ ... فما أمسيتُ يعجبُني القُفولُ
كأنَّكَ لم تُلاقِ الدَّهرَ يوماً ... خليلاً حينَ يُفردكَ الخليلُ
فصبراً للحوادثِ كلُّ حيٍّ ... سبيلُ الهالكينَ لهُ سبيلُ الباب الثالث والأربعون
طريق الصَّبر بعيدٌ وكتمان الحبِّ شديدٌ
كان يقال سرُّك أسيرك فإذا تكلَّمت به صرت أسيره وأمَّا إفشاء من يحبُّ سرَّه إلى محبوبه فقد تقدَّم القول فيه بما في بعضه بلاغٌ وأمَّا اطِّلاع سائر النَّاس على وجد المحبّ بالمحبوب فهو خطأ من وجوهٍ أوَّلها تعرُّض المحبوب لما لا يحبّ من القالات والتَّشنيعات ثمَّ تعرُّض المحبّ نفسه للسِّعاية والارتقاب له وإنَّما يوصى بهذه الوصيّة من أمر سرّه إليه فأمّا من قد أخرجت الحال زمام السّرّ من يديه فلا ذنب له ولا لوم عليه وأمّا أسرار المحبوب عند المحبّ مثل مواعيده له وزيارته إيَّاه ومساعدته له على ما يهواه وما يجري بينهما من المعاتبات بل من سرائر المخاصمات فإنَّ غالبات الوجد لا توجب إفشائه بل توجب صونه وإخفائه ولن يشيع مثل ما وصفنا إلاَّ ضعيفٌ في الحال جدّاً فكتمان هذا أبين وجوباً من أن نزيد القول فيه توكيداً وإفشاء المحبَّة وحدها إلى غير المحبوب فواجبٌ على من أطاق كتمها ألاَّ يظهرها ومن عجز فخارجٌ عن باب المنع والوجوب ومن ضاق صدره عن سرِّه فلم يلم غيره على نشره وإن كان في الحقيقة ملوماً لأنَّ للمرء أن يتطوَّع بإظهار سرِّه وعلى المستودع أن لا يظهر سرَّ مستودعه.
ولبعض الأدباء في ذلك:
إذا ضاقَ صدرُ المرءِ عن سرِّ نفسهِ ... فصدرُ الَّذي يُستودعُ السِّرَّ أضيقُ
ورُبَّ فتًى يجفو كرائمَ مالهِ ... ويرعى سوامَ الأبعدينَ فيُشفقُ
وقال يزيد بن الطثرية:
ومُستخبرٍ عنها ليعلمَ ما الَّذي ... لها في فؤادي غيرَ أنِّي أُحاذرُهْ
وردْتُ به عمياءَ منها ولمْ أكُنْ ... إذا ما وشى واشٍ بليلى أُناظرُهْ
وقال آخر:
كريمٌ يُميتُ السِّرَّ حتَّى كأنَّهُ ... إذا استخبروهُ عنْ حديثكِ جاهلُهْ
رعى سرَّكُمْ في مُضمرِ القلبِ والحشا ... حفيظٌ عليكمْ لا تخافُ غوائلُهْ
وأكتمُ نفسي بعضَ سرِّي تكرُّماً ... إذا ما أضاعَ السِّرَّ في السِّرِّ جاهلُهْ
ومُستسقطي بالجدِّ والهزلِ قد نبتْ ... علَى كلِّ حالٍ عن صفاتي معاولُهْ
تسقَّطني عنكُمْ فأخلفْتُ ظنَّهُ ... وذو اللُّبِّ قد يُعيي الرِّجالَ تُحاولُهْ
فما رامَ حتَّى عادَ شكّاً يقينهُ ... وأخلفهُ منِّي الَّذي كانَ ياملُهْ
وقال آخر:
قد جرَّرَ النَّاسُ أذيالَ الظُّنونِ بنا ... وفرَّقَ النَّاسُ فينا ظنَّهمْ فرَقا
فجاهلٌ ينتحي بالظَّنِّ غيركمُ ... وصادقٌ ليسَ يدري أنَّهُ صدقا
وقال بعض الأعراب:
وإنِّي لأستحييكِ أن أُطلقَ الهوَى ... وأن لا تُعدَّى خلسةَ اللَّحظاتِ
سأطوي الهوَى تحتَ الحشا طيَّ نازحٍ ... قضى وطراً إن لم تبُحْ عبراتي
وأصبرُ للهجرانِ حتَّى يملَّني ... وأدفعَ عنكِ السَّوءَ بالشُّبهاتِ
وقال آخر: